شهدت مدينة "طفس" في ريف "درعا" اليوم انعقاد صلح عشائري بهدف حل نزاع بين عائلتين، أسفر عن مقتل شابين. وقد تم الاتفاق على تطبيق أحكام عرفية لتسوية الخلاف، متجاوزة سلطة الدولة والقانون، وذلك على الرغم من الحضور الرسمي لمسؤولين محليين وقيادات في الأمن الداخلي التابع لمجلس الصلح.
وذكر موقع أن الصلح الذي جرى اليوم في "طفس" جاء على خلفية مقتل الشاب "أحمد يوسف البردان" في 12 حزيران الماضي، نتيجة إطلاق نار بالقرب من مساكن "جلين"، مما أدى إلى وفاته واندلاع اشتباكات بين ذويه من جهة، وأفراد من عائلة "البردان" من جهة أخرى. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل الشاب "محمد معتز البردان"، وهو ابن عم "أحمد"، الذي كان طرفاً في المواجهات المسلحة.
وبحسب المصدر، فقد تم الاتفاق على دفع دية قدرها 60 ألف دولار لعائلة الشاب "أحمد" و50 ألف دولار لعائلة الشاب "محمد"، بالإضافة إلى إبعاد عدد من المتورطين في الحادثة عن المدينة لمدة عام، وذلك ضمن اتفاق يهدف إلى إنهاء الخلاف وحقن الدماء. وأشار المصدر إلى أن مجلس الصلح عقد بحضور وجهاء وشخصيات محلية وأطراف النزاع، إلى جانب ممثلين عن "هيئة الإصلاح" وقيادات من الأمن الداخلي ومسؤولين محليين.
حادثة إطلاق النار التي أودت بحياة عنصر الأمن الداخلي "أحمد البردان" في 12 حزيران، وقعت خلال اشتباك دورية للأمن الداخلي مع "مجموعة مسلحة خارجة عن القانون"، وفقاً لما وصفته صحيفة الرسمية.
وكانت مديرية الأمن الداخلي قد أعلنت حينها حظر تجول في بلدة "المزيريب" ومنطقة "مزارع العجمي" في إطار البحث عن المطلوبين. وفي 13 حزيران، أفاد موقع بأن "ميلاد البرازي" الملقب بـ "أبو راشد" سلم نفسه للشرطة العسكرية بعد الحادثة، حيث يُتهم بقيادة المجموعة التي هاجمت الدورية الأمنية، وتم نقله إلى "دمشق" لاستكمال التحقيقات.
وفي 17 حزيران، قام محافظ درعا "أنور الزعبي" بزيارات ميدانية للأهالي الذين تعرضوا لتجاوزات أمنية خلال عملية ملاحقة المطلوبين في القضية، ووعد بمحاسبة المسؤولين عنها، مؤكداً أن ذلك من صميم واجبات الدولة وأحد ركائز سيادتها، بحسب محافظة درعا حينها.
وفي آب الماضي، تجددت الاشتباكات بين عائلتين من آل "البردان"، حيث ذكر موقع أن ذوي الشاب "أحمد" طالبوا بترحيل عائلة "راشد البردان" المتهم بقتل ابنهم من البلدة. وأشار المصدر إلى أن "راشد" موقوف لدى السلطات منذ وقوع حادثة القتل.
تتداخل في هذه الأحداث الأسباب والدوافع بين الخلافات العائلية من جهة، واستهداف القوى الأمنية من جهة أخرى. وفي حين لم يشر الخبر عن "الصلح العشائري" و"دفع الديّة" إلى أي معلومات حول المحاسبة القانونية عبر القضاء للمتهمين في جريمتي القتل والمشاركين في الاشتباكات المسلحة والهجوم على الدورية الأمنية.
على الرغم من أن هذه المجالس أصبحت شائعة، والهدف منها حل الخلافات التي تنشب في المناطق، إلا أن صيغة وجودها تعيد إلى الواجهة أنماط "ما قبل الدولة" في حل النزاعات.
واللافت هنا، أن الأمر تم بحضور رسمي من مسؤولين محليين وقيادات أمنية، رغم أن الضحية الأول عنصر أمني، ما يستوجب إجراء محاكمة رسمية لمقاضاة المتورطين بقتله، علماً أن القانون السوري لا يضم في نصوصه مادة واضحة عن "دفع الديّة" إلى أن ذلك تحوّل إلى عرفٍ شائع يقابله إسقاط الحق الشخصي لعائلة الضحية، لكن ذلك لا يسقط الحق العام.
ويظهر المشهد خطورة التقبّل الرسمي للاحتكام إلى مجالس صلح عشائري بدلاً من اللجوء إلى القضاء والاحتكام للقانون السوري، الذي لا ينصّ على ديّة ولا إبعاد من المدينة، وغيرها من الأحكام العشائرية. والمستغرب في هذه الحالة، أن بيان المحافظة تحدّث عن واجبات الدولة وركائز سيادتها في محاسبة مرتكبي التجاوزات الأمنية أثناء ملاحقة المطلوبين، فيما تعدّ محاسبة المطلوبين أيضاً ضمن واجبات الدولة وركائز سيادتها، علماً أنه لم يتبيّن مصير الموقوفين "راشد البردان" و"ميلاد البرازي".
كما تطرح هذه القضية أسئلة حول مدى شرعية هذه الأحكام الصادرة عن مجلس الصلح، وصلاحيات الجهة التي ستعمل على تنفيذها، وموقف الدولة من الاحتكام لجهات غير قضائية وغير رسمية في مسائل كبرى تصل لجرائم القتل بما في ذلك قتل عنصر أمن.