السبت, 8 نوفمبر 2025 01:12 PM

جدل متصاعد في ألمانيا حول عودة اللاجئين السوريين وتأثيرها على سوق العمل

جدل متصاعد في ألمانيا حول عودة اللاجئين السوريين وتأثيرها على سوق العمل

تُنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين عنب بلدي وDW

يتصاعد الجدل في ألمانيا حول مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، حيث يرى البعض ضرورة مراجعة وضع إقامتهم وتسريع عمليات الترحيل، خاصةً بين مرتكبي الجرائم، وتشجيع العودة الطوعية، وذلك على خلفية الحديث عن سقوط نظام الأسد ونهاية الحرب الأهلية في سوريا.

تعتبر ألمانيا من أهم الدول المستضيفة للاجئين السوريين، حيث استقبلت منذ عام 2015 نحو مليوني شخص من سوريا، والذين بنوا فيها حياة جديدة.

مطلوبون ومستخدمون: السوريون في سوق العمل

يقول هربرت بروكر، رئيس قسم أبحاث الهجرة في معهد أبحاث سوق العمل والتوظيف: "كل من يعمل يُساهم". ويضيف أن اللاجئين السوريين يقدمون مساهمة مهمة في سوق العمل الألماني، حيث يبلغ عددهم نحو 300 ألف موظف وحوالي 20 ألف شخص يعملون لحسابهم الخاص. ومع ذلك، يؤكد بروكر في حوار مع DW أن نسبتهم ضئيلة مقارنة بنحو 45 مليون عامل في ألمانيا.

يشير بروكر إلى أن معظم السوريين يعملون في مهن تشهد طلبًا مرتفعًا ونقصًا في الكوادر، مثل قطاع الرعاية الصحية، والفنادق والمطاعم، والنقل، والخدمات اللوجستية، والحرف اليدوية. ويؤكد أنه في حال غياب هذه المجموعة، لن يكون هناك بديل لهم في وظائف كثيرة، مما سيؤدي إلى نقص في الإمدادات والتوريد، وارتفاع في الأسعار.

وفقًا لمعلومات بروكر، يعمل نحو نصف اللاجئين الأجانب كمهنيين، ونحو 10 بالمائة منهم كمتخصصين أو خبراء، وحوالي 45 بالمائة منهم في قطاع المساعدة، وهؤلاء العمال مطلوبون جدًا في ألمانيا، بسبب التغيير الديموغرافي الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الخدمات البسيطة التي لا تتطلب مؤهلات عالية، مما يجعل استقطاب العمالة ضرورة اقتصادية.

العودة إلى سوريا: واقع أم سيناريو مستقبلي؟

منذ عام 2012، توقفت عمليات الترحيل إلى سوريا بسبب الوضع الأمني المصنف بأنه "غير آمن". إلا أن النقاش الحالي يسعى إلى تغيير هذا التصنيف ووضع آليات جديدة لتسريع عمليات الترحيل. وبحسب وزارة الداخلية الألمانية، غادر ألمانيا حتى نهاية آب/أغسطس 2025 نحو 1900 سوري بشكل طوعي وبدعم من الدولة، ولا يُتوقع حدوث موجة عودة أكبر من ذلك. ولكن، في حال تم تشديد الخناق على الجالية السورية، قد نشهد حتى عودة أولئك الذين يشغلون وظائف عالية، مثل الأطباء السوريين الذين يحملون جوازات سفر سورية ويعملون في المستشفيات الألمانية، والذين يبلغ عددهم نحو 7 آلاف طبيب، بحسب أرقام غرفة الأطباء الألمانية.

"من يشعر بالترحيب يبقى"

يقول طبيب القلب الدكتور أنس جانو، وهو كبير أطباء في مستشفى جامعة يينا: "الأطباء السوريون وغيرهم من الأطباء الأجانب يمثلون إثراءً كبيرًا لألمانيا بسبب الحاجة إليهم". درس جانو في دمشق وأكمل تدريبه في جامعة الرور بمدينة بوخوم الألمانية. ويقدر أن ثلث أو ربع الأطباء في ألمانيا اليوم ينحدرون من خارجها. ويضيف أن الأطباء الأجانب يستطيعون منذ عام 2012 الحصول على ترخيص رسمي لمزاولة مهنة الطب، مما سهل اندماجهم بشكل كبير، وأتاح لهم العمل بشكل دائم والحصول على الجنسية الألمانية والمساهمة في استقرار نظام الرعاية الصحية في ألمانيا.

إلا أن جانو ينظر بقلق إلى المزاج العام، ويقول إن الحديث المستمر حول "السوريين المجرمين"، على الرغم من أنهم أقلية صغيرة فقط، يجعل الكثيرين يشعرون بأنهم غير مرحب بهم، وبالتالي يفكرون في العودة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالوظائف أو التراخيص، بل بالشعور بالأمان والتقدير. ويرى أنه عندما يشعر الناس بالترحيب، سيبقون.

ورداً على سؤال حول مسؤولية الكوادر المتخصصة في إعادة إعمار وطنهم، أجاب جانو بأنهم جميعًا يتحملون المسؤولية لأنهم ولدوا ونشأوا في سوريا، ولكن هذا لا يعني بالضرورة العودة بشكل دائم، بل يمكن القيام بذلك عن بعد من خلال المحاضرات والدعم المالي ونقل المعرفة. ويضيف أن العودة لا تمثل حاليًا أي خيار بالنسبة للكثيرين بسبب الوضع الذي لا يزال غير مستقر في سوريا.

العمالة الماهرة

يعمل في ألمانيا نحو 60 بالمائة من السوريين في مهن ذات أهمية نظامية وضرورية لسير المجتمع والحياة اليومية، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة العاملين الألمان التي تبلغ 48 بالمائة، بحسب معهد أبحاث سوق العمل والتوظيف. ومع ذلك، فإن الكثيرين منهم لا يستطيعون استغلال مؤهلاتهم، فغالبًا ما يعمل المهندسون كفنيين، وتعمل الطبيبات كمساعدات تمريض، ويعود ذلك إلى عدم الاعتراف بشهاداتهم أو افتقارهم إلى الخبرة المهنية.

يوجد نحو 700 ألف سوري عاطلين عن العمل، ومنهم مسجلون كباحثين عن عمل، ويواجه عدد منهم صعوبات في الدخول إلى سوق العمل بسبب عقبات بيروقراطية أو نقص في فرص التدريب. ويرى باحث سوق العمل هربرت بروكر أنه يمكن من خلال الدعم الموجه استغلال إمكاناتهم بشكل أفضل وفي ذات الوقت سد الثغرات في سوق العمل، منتقدًا طول إجراءات اللجوء إلى مرحلة الاندماج في سوق العمل. ويضيف أن ضمان الأمن القانوني أمر حاسم، فالشركات لا تفضل توظيف الأشخاص الذين لا تعرف إن كانوا يستطيعون البقاء هنا أم لا، ولهذا السبب فإن إتمام إجراءات اللجوء أمر مهم جدًا.

إجماع عالمي: ألمانيا تفقد جاذبيتها

يشير بروكر إلى أن الاندماج في سوق العمل لا يمثل سوى جانب واحد، فجاذبية ألمانيا العامة كبلد مقصد تؤثر أيضًا على عدد العمال المهرة الذين يبقون هنا بالفعل أو يأتون لاحقًا. ويحذر بروكر، على غرار طبيب القلب السوري أنس جانو، من أن التحول في المزاج العام يحدث تأثيرًا كبيرًا في ألمانيا. ويضيف أنه حدث في السنين الأخيرة انخفاض حاد في هجرة العمال المهرة إلى ألمانيا، وأنه بحسب استطلاع عالمي أجرته مؤسسة غالوب العالمية حول بلدان المقصد المفضلة فقد تراجعت ألمانيا بشكل ملحوظ خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية.

مشاركة المقال: