أظهرت الخوذة الحديدية التي كانت ترتديها الصحافية رنين صوافطة، مصوِّرة وكالة «رويترز»، آثار تحطّم بعد الاعتداء الوحشي الذي تعرّضت له على يد مستوطنين هاجموا المشاركين في فاعلية قطاف الزيتون في أراضي جبل قماص ببلدة بيتا. خلال تغطيتها للهجوم، انقضّ المستوطنون على صوافطة، وأسقطوها أرضاً، وانهالوا عليها بالضرب بالهراوات على رأسها، في محاولة لقتلها، لولا الخوذة والمستشار الأمني للوكالة اللذين كانا يرافقانها، والذي أصيب بدوره.
يُعدّ هذا الاعتداء، الذي أسفر عن إصابة ستة صحافيين وأكثر من 10 أشخاص آخرين، من بينهم مزارعون ونشطاء دُوليون وإسرائيليون، واحداً من بين عشرات الاعتداءات التي يشنّها المستوطنون يومياً في الضفة الغربية. لكنّ ما ميّز هذا الاعتداء هو تنظيمه الذي بدا واضحاً بهدف القتل، بمشاركة نحو 50 مستوطناً حاصروا المزارعين من اتجاهات عدة، وشرعوا في ضربهم وفق خطة تصفية مُعدّة مسبقاً، كما أكّد شهود عيان. من بين هؤلاء منذر عميرة، الذي روى لـ«الأخبار» تفاصيل الهجوم، موضحاً أنّ المستوطنين انهالوا على صوافطة بالضرب المبرّح على رأسها، بينما استمرّ آخرون في إلقاء الحجارة عليها وهي ملقاة على الأرض، وهاجموا كل من حاول مساعدتها.
وقال عميرة إنّ ما جرى في بيتا يعكس ما شهدته الضفة الغربية خلال موسم الزيتون، حيث أصبحت هجمات المستوطنين منظّمة، ويظهر أنّ المشاركين فيها مدرّبون جيداً، ويستخدمون أدوات جديدة، ويتبعون خططاً محكمة حول كيفية الهجوم وحجمه وطرق المباغتة. وأضاف: «كنا كناشطين ومتطوعين في بيتا لصدّ أيّ هجوم أو اعتداء من جانب المستوطنين، لكننا تفاجأنا بعدد كبير منهم هاجمونا بشكل مباغت بالحجارة التي كانت تنهال علينا كالمطر». ووصف المستوطنين المهاجمين بـ«الزومبي»، قائلاً: «كانوا يخرجون من كل مكان، ويضربون الحجارة ويصرخون ويشتمون». وأشار إلى أنّ أحد النشطاء الإسرائيليين، ويدعى عوديد، كان برفقتهم في قطاف الزيتون، وتعرض للضرب بالحجارة على وجهه، ما تسبّب بكسر في فكّه والعظام في وجهه. وتابع عميرة: «أنا كنت شاهداً وأرى قتل رنين صوافطة. رنين تعرّضت للقتل وليس للإصابة. ما حدث معها ليس إصابة بالمطلق، بل عملية قتل، ولولا وسائل الحماية وتحديداً الخوذة، والمستشار الأمني الذي كان يرافقها وحماها، لكانت قُتلت».
رصدت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» 278 اعتداءً من قبل المستوطنين، الشهر الماضي. هجوم بيتا ليس استثناءً، إذ سبقته عشرات الهجمات المنظّمة، من بينها ما رواه عميرة عن حادث مشابه وقع قبل ثلاثة أسابيع في بيتا أيضاً. إذ قال: «في بداية موسم الزيتون، وقع صدام بين المزارعين والمستوطنين في بيتا. وبعد دقائق، ابتعدوا وانسحبوا من المكان، وكنّا موجودين على تلّة عالية، وفي مقابلنا عائلة فلسطينية أيضاً. لكن بعد دقائق من انسحابهم، قاموا بالالتفاف ومهاجمة العائلة الفلسطينية التي على التلّة الأخرى وضربوهم وأشعلوا النار بالمركبات. عندها، قمنا بالتوجّه لإنقاذ العائلة وتركنا خلفنا مركباتنا والزيتون. فهاجمتنا مجموعة أخرى كانت تترّبص بنا، وأحرقوا 4 مركبات في المنطقة وكسروا أشجار الزيتون». وأضاف: «هجمات المستوطنين لم تَعُد كما يتصوّرها العالم… تحوّل هؤلاء إلى عصابات منظّمة هدفها ترويع المواطنين، والهجوم على منازل الفلسطينيين وحرقها ومعها الأراضي والممتلكات، واستهداف الصحافيين والمتطوّعين الأجانب والنشطاء الدوليين؛ وتلك أعمال إرهابية منظّمة، غرضها ترهيب الفلسطينيين، والنشطاء الدوليين لمنعهم من العودة».
وشهدت مناطق متفرّقة من الضفة الغربية، أمس، هجمات عدّة شنّها مستوطنون، من بينها إضرام النار في منزل في قرية أبو فلاح، قرب رام الله، وقطع عدد من أشجار الزيتون في قرية دير جرير، شرق رام الله، وسرقة ثمار الزيتون من أراضي عقربا جنوب نابلس. وفي تجمّع المعازي البدوي شرق بلدة جبع شمال القدس، سُجّلت إصابة 7 مواطنين بجروح، جرّاء تعرّضهم إلى اعتداء على أيدي مستوطنين.
ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرنوت»، فإنّ شرطة الاحتلال تحقّق في الهجمات التي وقعت السبت، لكنها لم تعتقل أيّ شخص، وإنه «منذ تولّي الوزير إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، نادراً ما اعتقلت الشرطة المستوطنين المتورّطين في حوادث عنف، إضافةً إلى أنّ وزير الأمن يسرائيل كاتس، قرّر وقف استخدام أوامر الاعتقال الإدارية ضدّ اليهود».
في موازاة ذلك، قالت الأمم المتحدة، إنّ هجمات المستوطنين تُعدّ الأوسع منذ أكثر من 20 عاماً، حيث سَجّل تشرين الأول الماضي، 264 هجوماً، في أعلى حصيلة شهرية منذ نحو عقدين، مشيرة إلى أنّ عنف المستوطنين أسفر عن تهجير ثلاثة آلاف و200 فلسطيني من أرضهم، ومقتل كثيرين بالرصاص، وإصابة المئات غيرهم، وفقدان آخرين كثر لمصادر رزقهم. من جهتها، رصدت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» 278 اعتداءً من قبل المستوطنين، تراوحت ما بين الاعتداء الجسدي العنيف، وحملات الاعتقالات، وتقييد الحركة ومنع الوصول والتخويف والترهيب بكافة أشكاله، وإطلاق النار المباشر.