الأربعاء, 12 نوفمبر 2025 11:32 AM

تركيا تصعد ضد نتنياهو: مذكرة اعتقال تثير التوتر وتساؤلات حول الدور التركي في غزة وسوريا

تركيا تصعد ضد نتنياهو: مذكرة اعتقال تثير التوتر وتساؤلات حول الدور التركي في غزة وسوريا

ليس التوتر بين تركيا وإسرائيل وليد اللحظة، لكنه ظلّ ضمن حدود معيّنة، سواء في عهد الحكومات العلمانية أو الإسلامية. إلا أن عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها من حرب في غزة، مثّلت نقطة تحول كان يُفترض أن تتجاوز ذلك السقف. لكن تركيا انتهجت مساراً مزدوجاً: فمن جهة، تنتقد ممارسات الاحتلال ويهاجم رئيسها، رجب طيب إردوغان، إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في المحافل الدولية؛ ومن جهة أخرى، تتجنب اتخاذ إجراءات عملية تعكس موقفها المعلن.

استمر هذا الوضع حتى تدخلت تركيا بقوة في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، حيث نسب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إليها الفضل الأكبر في التوصل إلى الاتفاق، بعد ممارسة ضغوط على حركة «حماس» للقبول به. وبعد توقيع الاتفاق، بدا أن أنقرة ضمنت موقعها في القوة العسكرية المزمع تشكيلها لإدارة أمن غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، لكن نتنياهو أعلن أن تركيا لن تكون ضمن هذه القوة، وهو ما أزعج الولايات المتحدة التي أبدت عدم ارتياحها لهذا التصريح.

في المقابل، تحدثت الصحافة التركية عن دور تركيا في هذا الترتيب، معتبرةً إياها «العامل الأساسي في القوة الدولية لِلَجم أيّ عدوان إسرائيلي جديد» - وفقاً لصحيفة «يني شفق». وأكدت أنقرة دورها باستضافتها اجتماعاً في إسطنبول لوزراء خارجية الدول الإسلامية الثماني التي اجتمع إليها ترامب في الأمم المتحدة، لمناقشة مسودة الاتفاق الأولي لوقف إطلاق النار في غزة. ولم يخرج الاجتماع بأي جديد، سوى دعوة القوى المؤثرة إلى تكثيف ضغوطها على إسرائيل لإدامة التهدئة في القطاع.

المفاجأة كانت إعلان المدعي العام في إسطنبول، إصدار مذكرات اعتقال بحق 37 مسؤولاً إسرائيلياً مدنياً وعسكرياً، للاشتباه في ارتكابهم إبادة ضد الفلسطينيين في غزة، ومطالبته باعتقالهم في حال دخولهم الأراضي التركية. وشملت القائمة نتنياهو، ووزير الأمن يسرائيل كاتس، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ورئيس الأركان إيال زامير، وقائد القوات البحرية دافيد ساعر سلامة. واستند المدعي العام في قراراته إلى المادتين الـ76 والـ77 من قانون العقوبات التركي، اللتين تنصان على الاعتقال بتهم «الإبادة» وارتكاب «الجرائم ضد الإنسانية».

توسيع إسرائيل لنفوذها في «العالم التركي» يعزز مخاوف تركيا.

في حين كان رد فعل تل أبيب متوقعاً، بإعلان مسؤولين إسرائيليين أن تركيا لن تشارك في قوة حفظ الأمن في غزة، توقف كثيرون عند أسباب اتخاذ أنقرة قراراً باعتقال نتنياهو وبعض الوزراء في هذا التوقيت، ويمكن الإشارة إلى الآتي:

  1. تعتمد تركيا على المشاركة في قوة غزة لمنحها مزيداً من النفوذ في المنطقة. وقد شعرت أنقرة بأن معارضة تل أبيب لهذه المشاركة جدية، فجاء قرارها بإصدار المذكرات بهدف الضغط على إسرائيل للتراجع عن موقفها، وأيضاً لتوجيه رسالة إلى الأميركيين بأنها تستطيع عرقلة عملية تنفيذ الاتفاق في غزة.
  2. رغم أن إردوغان لم يعد بحاجة إلى إثارة المزيد من القضايا (مثل القضية الفلسطينية) لحشد دعم المجتمع التركي، لكن الحاجة إلى تعزيز سلطته تبقى قائمة. وقرار الاعتقال «كبير»، ومن شأنه أن يترك انعكاسات سلبية على العلاقات التركية – الإسرائيلية، والتركية – الأميركية، في غزة وسوريا وفي المحافل الدولية.
  3. مع أن إسرائيل لمّحت إلى أن مصر لن تشارك في قوة غزة، لكن ذلك يبدو مستحيلاً، نظراً إلى كونها الدولة الوحيدة التي تقع في جوار القطاع. وفي المقابل، فإن استبعاد أنقرة – في حال حصل – لن يثير غضب القاهرة، بل ربما يسرها، نظراً إلى روابط الأولى بـ«حماس» من جهة، وإمكانية أن يستجلب تداخل العاملَين التركي والمصري في قضية واحدة، «وجع رأس» لمصر، من جهة ثانية.
  4. لا ينفصل قرار الاعتقال عن عملية التجاذب القائمة ضمناً بين تركيا والولايات المتحدة في سوريا، حيث تواصل واشنطن إظهار دعمها للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وآخر تجليات ذلك زيارته إلى البيت الأبيض ولقاؤه ترامب، في حين تحاول تركيا تثبيت حدود نفوذها في هذا البلد. ومن هنا يمكن النظر إلى مسارعة وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إلى زيارة واشنطن في الموعد نفسه لزيارة الشرع، استباقاً لأيّ ترتيب يمكن أن لا تُراعى فيه مصالح تركيا كاملة.
  5. ما يعزز من مخاوف تركيا، توسيع إسرائيل نطاقَ نفوذها في «العالم التركي»، خصوصاً بعد انضمام كازاخستان إلى «اتفاقات أبراهام»، والذي أُعلن عنه عبر لقاء هاتفي ثلاثي بين ترامب ونتنياهو ورئيس كازاخستان قاسم جومرت توكاييف، من دون مشاركة تركيا.

تبدو مذكرات الاعتقال التركية خطوة «على حافة الهاوية» لتأكيد ثقل أنقرة في المنطقة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستدفع واشنطن إلى مراعاة اعتبارات الجانب التركي أم لا.

مشاركة المقال: