الإثنين, 17 نوفمبر 2025 01:51 AM

زيارة الشرع إلى واشنطن: تفاهمات حول سوريا الجديدة واتفاقيات محتملة مع إسرائيل

زيارة الشرع إلى واشنطن: تفاهمات حول سوريا الجديدة واتفاقيات محتملة مع إسرائيل

لم تقتصر زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى واشنطن ولقاؤه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على كسر قطيعة استمرت سنوات مع البيت الأبيض، بل حملت معها رسائل مهمة تفتح الباب أمام تغييرات محتملة في ملفات سورية حساسة. قدم الشرع في واشنطن رؤية سورية جديدة، ساعيًا لتأكيد دور دمشق كلاعب أساسي في الأمن الإقليمي، خاصة في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل وملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المعقد وقضية العقوبات الأمريكية.

في حين رفض الشرع الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام"، أبدى استعداده للتفاوض على اتفاق أمني مشروط بانسحاب إسرائيل إلى ما قبل 8 كانون الأول 2024، وهو موقف أثار ردود فعل إسرائيلية متباينة، أبرزها تصريح بنيامين نتنياهو: "ثق، ولا تثق، ولكن تحقق".

التحول الأبرز كان إعلان انضمام سوريا إلى "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة"، وهي خطوة تهدف إلى إعادة صياغة دور دمشق دوليًا وإعادة تأهيل دورها الأمني، وسط حديث أمريكي عن دعم إعادة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية. كما فتحت زيارة الشرع مسارًا جديدًا في مفاوضات دمج "قسد" داخل مؤسسات الدولة، مع تأكيد أمريكي على ضرورة تنفيذ اتفاق 10 آذار، بينما يشكك باحثون في قدرة الأطراف على الالتزام بالمهل الزمنية.

في هذا السياق، أحدث قرار واشنطن تعليق عقوبات "قيصر" ضجة سياسية واقتصادية، وأعاد النقاش حول مستقبل العقوبات وإمكانية رفعها، وسط انقسام في الكونجرس ومخاوف استثمارية.

إسرائيل..

لا مفاوضات مباشرة.. توقعات منخفضة

عقب اللقاء بين الرئيسين في 10 تشرين الثاني الحالي، ذكر بيان لوزارة الخارجية السورية أن اللقاء بين ترامب والشرع ناقش ملفات عدة، منها الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل. وأكد الجانب الأمريكي دعمه للتوصل لاتفاق أمني مع إسرائيل لتعزيز الاستقرار الإقليمي.

استبعد الرئيس السوري، أحمد الشرع، في حوار مع قناة "فوكس نيوز"، في 11 تشرين الثاني الحالي، انضمام سوريا إلى "اتفاقيات أبراهام"، موضحًا أن "الوضع في سوريا يختلف عن الدول التي وقّعت الاتفاق". وأضاف: "لدينا حدود مع إسرائيل التي تحتل الجولان منذ عام 1967، ولسنا بصدد الدخول في مفاوضات مباشرة حاليًا، وربما يمكن للولايات المتحدة برئاسة ترامب أن تلعب دورًا في هذا الملف".

في حواره مع صحيفة "واشنطن بوست"، انتقد الرئيس السوري سياسة إسرائيل التوسعية، وطالب بنزع السلاح من جنوبي سوريا، مؤكدًا انخراط سوريا في مفاوضات غير مباشرة، قائلًا: "نحن منخرطون في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وقد قطعنا شوطًا طويلًا نحو التوصل إلى اتفاق، لكن للتوصل إلى اتفاق نهائي، ينبغي لإسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 8 من كانون الأول 2024". وأشار إلى دعم الولايات المتحدة لهذه المفاوضات.

أشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع إسرائيل بشأن العلاقات مع سوريا، قائلًا: "نحن نعمل أيضًا مع إسرائيل بشأن التوافق مع سوريا والتوافق مع الجميع".

من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الحكم على الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، يكون من خلال أفعاله على الأرض، مشيرًا إلى زيارته الأخيرة إلى واشنطن ولقائه مسؤولين أمريكيين. وأبدى نتنياهو رغبته في "التوصل إلى ترتيب يضمن نزع السلاح في جنوب غربي سوريا وتوفير حماية دائمة للأقلية الدرزية هناك".

تمسك بالمطالب

مطلب المنطقة منزوعة السلاح رفضه الشرع في لقائه مع "واشنطن بوست"، قائلًا: "إذا استُخدمت هذه المنطقة منزوعة السلاح من قبل بعض الأطراف كمنصة انطلاق لضرب إسرائيل، فمن سيكون مسؤولًا عن ذلك؟". وأضاف: "في نهاية المطاف، هذه أراضٍ سورية، ويجب أن تتمتع سوريا بحرية التعامل مع أراضيها".

عن ثقته بالجانب السوري، استشهد نتنياهو بعبارة رونالد ريغان حول التعامل مع الاتحاد السوفييتي، وهي "ثق ولكن تحقق"، وقال: "أما أنا فأقول: ثق، ولا تثق، ولكن تحقق".

يرى الأكاديمي والمحلل السياسي السوري أحمد الكناني أن مناخ التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل غير مواتٍ حاليًا، لأن الأسس والنقاط الرئيسة غير متفق عليها. ووفق الكناني، فإن إسرائيل ترى نفسها "غير ملزمة" بتوقيع اتفاق أمني نظرًا إلى استخدامها "استراتيجية فائض القوة على سوريا"، مشيرًا إلى أن الوصول إلى صيغة حول منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري بات نقطة شبه مستحيلة، في ظل إصرار إسرائيلي وتمسك سوري برفض هذه الفكرة.

اتفق الباحث في مركز "جسور للدراسات" محمد سليمان مع رؤية الكناني، حول عدم إمكانية التوصل لاتفاق في الوقت الحالي، فسوريا لا تستطيع في ظل "الظروف الراهنة" إبرام أي اتفاق من هذا النوع إلا بوجود أطراف دولية ضامنة قادرة على إلزام إسرائيل بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. ويرى الباحث محمد سليمان رغبة أمريكية "حقيقية" في الضغط على إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام أو اتفاق خفض تصعيد، يوقف عمليات التوغل الإسرائيلية مؤقتًا حتى تهيئة الظروف لعقد "اتفاقيات أشمل"، غير أن ذلك يتطلب "وقتًا طويلًا".

يعتقد الأكاديمي والباحث السوري أحمد الكناني أن ما يعوق تقدم الاتفاق هو ارتفاع سقف المطالب الإسرائيلية بشأنه بدءًا من منطقة منزوعة السلاح، ثم التوغل بريًا في الجنوب وإقامة قواعد عسكرية، ثم مطالب الممر الإنساني إلى السويداء، مضيفًا أن هذه الشروط وضعتها إسرائيل للضغط على دمشق ودفعها إلى الرفض. وهذا ما تجلى، بحسب الكناني، بتمسك سوري بالمطالب الرئيسة، ومن أهمها فرض الوجود السوري الكامل في الجنوب، والعودة إلى ما قبل 8 من كانون الأول 2024، مضيفًا أن المجتمع الدولي بات يدفع أكثر تجاه الشرعية السورية على الجولان والعودة لاتفاق فض الاشتباك 1974.

أما في حالة الوصول لاتفاق، فيتوقع الكناني احتفاظ إسرائيل بجبل الشيخ، والحديث المباشر بين الطرفين بشأن النقاط التي استحدثتها إسرائيل في الجنوب السوري. وفي حال عدم الوصول إلى أي اتفاق، وهو ما يرجحه الأكاديمي السوري، فإن إسرائيل تريد جعل الجنوب السوري "الخاصرة الرخوة" لسوريا من خلال فرض أجندات خاصة بها سواء في السويداء، أو الجنوب عمومًا.

انضمام للتحالف.. مشروعية ومرحلة جديدة

أعلنت سوريا انضمامها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، تزامنًا مع زيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض، وكانت هذه الخطوة من أبرز المحاور التي كانت بجعبة النقاشات بين الطرفين. أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، التزام الرئيس السوري بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وقال وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، إن سوريا وقّعت إعلان تعاون سياسي مع "التحالف الدولي"، مؤكدة دورها كشريك في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الإقليمي.

مرحلة جديدة من التحالفات

يشكل انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة" خطوة استراتيجية تحمل أبعادًا تتجاوز الجانب العسكري، لتؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات والتحالفات الإقليمية والدولية، وفق ما قاله الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة. ويرى المحلل أن الخطوة ليست مكسبًا مؤقتًا، بل منعطف يؤسس لما بعده على المستويين السياسي والأمني. لكن في الحالة السورية، التي شهدت تجارب متعددة لمشاريع إسلامية، لا يمكن الاكتفاء بمحاربة الإرهاب عسكريًا فقط، بل ينبغي التصدي للفكر المتطرف فكريًا ومجتمعيًا، وفق تعبير الكاتب درويش خليفة. ويتطلب ذلك العمل على ترسيخ مفهوم الأمن المجتمعي عبر إنتاج خطاب وطني موحد يشارك فيه الإعلام ببرامج توعوية ووطنية، تسهم في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

بدوره، يعتقد المحلل السياسي حسن النيفي أن انضمام دمشق للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب خطوة ذات دلالات سياسية أولًا، وتعني انتقال سوريا من ضفة الدول التي كانت تُصنف أنها مارقة على القانون الدولي ومبعث شر وفساد، إلى ضفة الدول المساهمة في إرساء الأمن والاستقرار والمشاركة في الوقت ذاته بمكافحة الإرهاب.

دمشق تدرك وجود عقبات داخلية تشكل تحديات كبيرة أمام الانضمام إلى التحالف، من أبرزها أن وزارة الدفاع لا تزال في مرحلة تكوينية من تطورها المؤسسي، ولا تزال عملية التجنيد في الجيش تعاني من محدودية القدرة على إجراء تحريات سليمة عن خلفيات المنضمين الجدد، ومن ضعف عام في القدرات العسكرية.

‏هذه التحديات الهيكلية تجعل من الصعب على التحالف الثقة الكاملة بقدرة وزارة الدفاع على تنفيذ عمليات مشتركة، ويتجلى هذا الواقع على أرض الواقع، إذ يتم التنسيق حاليًا بشكل أساسي بين التحالف ووزارة الداخلية، وليس وزارة الدفاع.

معهد "الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية" في واشنطن

سيناريوهات

تختلف سيناريوهات الانضمام والإجراءات التي ستتبعها العملية، إذ يعتقد الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة أنه في اللحظة التي تنضم فيها سوريا رسميًا إلى التحالف الدولي، يصبح من الضروري أن يتولى التحالف إعادة هيكلة ودعم القوات المسلحة السورية، جيشًا واستخبارات، وتزويدها بالمعلومات والاتصالات والمعدات اللازمة لهزيمة التنظيم، كما يُعنى التحالف، وفق القرار الدولي "2178"، بمنع حركة المقاتلين الأجانب ومراقبة تمويلهم وسفرهم.

الانضمام سيكون مستندًا إلى معايير وإجراءات، بحسب المحلل السياسي، أولها التزام سوريا بالقطيعة الكلّية مع الدول المصدّرة للإرهاب، وكذلك التكفّل بقطع الجسر الواصل بين إيران وميليشياتها في لبنان، كما يعني إبداء التعاون الاستخباراتي الكامل بخصوص تحركات التنظيم والفصائل الجهادية المتشددة وكذلك الفصائل الفلسطينية الإسلامية داخل الأراضي السورية.

أبرز المعوقات التي تعترض انضمام دمشق إلى "التحالف الدولي" هي "الفصائل الجهادية" ذات الشراكات السابقة مع "هيئة تحرير الشام"، ولا يزال لها حضور ووجود قوي داخل الجغرافيا السورية، ولعل طرق مواجهتها تعتمد على طريقة الاحتواء التدريجي وصولًا إلى إذابتها، وليس من خلال المواجهة العسكرية المباشرة.

حسن النيفي

محلل سياسي

"المشروعية" أبرز المنافع

يحقق انضمام دمشق للتحالف الدولي نقاطًا استراتيجية ومصالح سياسية وعسكرية، وسينقلها لطور الدول المتعاونة والمساهمة بمكافحة التنظيم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانضمام شرط أساسي لاعتراف الولايات المتحدة وأوروبا بمشروعية النظام السياسي في سوريا، بحسب ما قاله المحلل حسن النيفي. كما أن موضوع رفع العقوبات مرهون إلى درجة كبيرة بتعاون الحكومة السورية مع واشنطن لمحاربة بقايا التنظيم، وبقية المجموعات التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، فالأمر بالتالي هو مصالح متبادلة بين الطرفين.

ويعتقد النيفي أن القطيعة مع الماضي السيئ لسوريا والدخول في طور جديد يسير نحو التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن لا بد أن يكون عبر تحالفات إقليمية ودولية جديدة، وهذه التحالفات توجب على الحكومة السورية التزامات عديدة لا يمكن لها تجنبها أو تحاشيها.

اعتبر الكاتب درويش خليفة أن التطورات الأخيرة في الانفتاح الأمريكي على السلطة السورية تتمثل من زاوية أمنية تتعلق بملف المقاتلين الأجانب وأمن إسرائيل بطبيعة الحال، غير أن هذه المقاربة قد تتطور نحو رؤية أكثر واقعية وشراكة سياسية، في اللحظة التي يُرفع فيها العلم الأمريكي فوق سفارتها في شارع المنصور بحي أبو رمانة في دمشق.

مساعٍ لتسريع اندماج "قسد"

ملف المفاوضات بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) كان حاضرًا على طاولة الشرع- ترامب في البيت الأبيض، إضافة إلى لقاءات أخرى جمعت الوفد السوري خلال زيارته إلى واشنطن مع دبلوماسيين أمريكيين، أبرزهم المبعوث توم باراك. اللقاء الذي جمع الشرع مع ترامب، في 10 من تشرين الثاني، لم يصدر عن مخرجاته أي تفاصيل بما يخص مسار المفاوضات، مع "قسد"، سوى التأكيد على تنفيذ اتفاق 10 من آذار.

في الاجتماع الثلاثي على مستوى وزراء الخارجية، بين دمشق وأنقرة وواشنطن، تطرق وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى ملف "قسد" مشددًا على أهمية هذه المحادثات من ناحية بحث مستقبل تلك المناطق. بالمقابل، قال الشرع في حديث إلى صحيفة "واشنطن بوست"، إن الحل الأمثل هو أن تشرف القوات الأمريكية الموجودة في سوريا على دمج "قسد" في قوات الأمن التابعة للحكومة، وستكون مهمة حماية الأراضي السورية من مسؤولية الدولة.

كلام الشرع مع الصحيفة الأمريكية، جاء في معرض رده على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، مشيرًا إلى أن وجود أي قوة عسكرية خارج سيطرة الحكومة، يمثل البيئة الأمثل لازدهار التنظيم، وفق تعبيره. وأجرت عنب بلدي استطلاع رأي على موقعها الإلكتروني، بشأن ما إذا كان انضمام سوريا إلى التحالف الدولي سيسحب البساط من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، شارك فيه نحو 2000 شخص، أجاب 63%منهم بـ"نعم"، بينما أجاب 37% بـ"لا".

وفي السياق ذاته، أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا ضرورة دمج "قسد" في الهيكل الاقتصادي والدفاعي والمدني السوري الجديد، وجاء ذلك تعقيبًا منه على زيارة الرئيس السوري، الشرع، إلى واشنطن. التصريحات الأمريكية، تشير إلى إرادة في حل ملف "قسد" ودمجها مع مؤسسات الدولة، بما يوحي إلى أنها إلى جانب الحكومة، غير أن باحثين التقهم عنب بلدي، أشاروا إلى أن أمريكا غير جادة في الضغط على القوات التي تسيطر على شمال شرقي سوريا، في حل نفسها والاندماج.

قال مدير قسم تحليل السياسات في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة" (المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة حاليًا) لعنب بلدي في وقت سابق، إن أمريكا تحاول لعب دور الوسيط في المفاوضات، رغم أنها صاحبة القرار الفعلي على "قسد"، وتستطيع فرض ما تراه مناسبًا عليها. وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تنفيذ الاتفاق، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في التضحية بـ"قسد"، وتسعى للحفاظ على وضعية خاصة لها ضمن الجيش السوري وحتى ضمن الإدارة السورية.

بالمقابل، قال الباحث السياسي أنس شواخ، إن زيارة الشرع إلى واشنطن كان لها أثر على مسار المفاوضات بين الحكومة و"قسد" وتسريعه. وأضاف، لعنب بلدي، أن طرح الملف يمثل إعادة تأكيد دور الدول الفاعلة، مشيرًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، إلى جانب سوريا، وضرورة الالتزام باتفاق 10 من آذار واعتماده كحل وحيد لشمال شرقي سوريا والجزيرة السورية.

"قسد" ترحب بالزيارة

رحبت "قسد" من جانبها بزيارة الشرع إلى واشنطن، ووجّه عبدي شكره للرئيس الأمريكي على "قيادته بشأن الملف السوري". وقال عبدي في منشور عبر "إكس"، في 11 من تشرين الثاني، إنه أجرى مكالمة هاتفية مع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، ناقشا خلالها نتائج اجتماع الشرع مع نظيره ترامب في البيت الأبيض. وأكد خلال المكالمة التزام "قسد" بتسريع عملية الاندماج في مؤسسات الدولة السورية.

من جانبه، قال نائب الرئاسة المشتركة لـ"الإدارة الذاتية" بشمال شرقي سوريا، وهي الذراع الحوكمية لـ"قسد"، بدران جيا كرد، إن اللقاء والتفاهمات بين الرئيسين، الشرع وترامب، تؤسس لمرحلة جديدة في سوريا، واصفًا موقف واشنطن بأنه "إيجابي وداعم" لدمج جميع المؤسسات في الدولة السورية. وقال جيا كرد في حوار منع قناة "العربية"، في 12 من تشرين الثاني، إن "الإدارة الذاتية" ستكون قريبًا في دمشق، مشددًا على أنه لا عودة عن اتفاق 10 من آذار، مشيرًا إلى أن هناك تفاهمًا شفهيًا مع دمشق على دمج "قسد" ككتلة وفرق في الجيش السوري، وذلك يشمل أيضًا المؤسسات المدنية والخدمية والسياسية في شمال شرقي سوريا.

هل ينفذ الاتفاق؟

الاتفاق بين الشرع وعبدي، في 10 من آذار الماضي، تضمن ثمانية بنود، أبرزها اندماج مؤسسات "قسد" المدنية والعسكرية في الدولة السورية. ووفق أحد البنود تعمل اللجان المنبثقة عن الاتفاق بين الجانبين على تنفيذه قبل نهاية العام الحالي. وبالرغم من عدم التصريح بمخرجات واضحة عن فحوى الاجتماع بين دمشق وواشنطن، فإن ما خرج إلى الإعلام يشير إلى تسريع الاندماج، وتنفيذ بنود اتفاق 10 من آذار، في حين أنه لا توجد معطيات تلوح في الأفق تشير إلى إمكانية تنفيذ الاتفاقية قبل نهاية كانون الأول المقبل.

وعن قدرة "قسد" على الاندماج قبل نهاية العام الحالي (بعد شهر ونصف)، قال الباحث السياسي أنس شواخ، إنها مدة غير كافية لدمج كيانات عسكرية وأمنية وحوكمية وإدارية. وأشار إلى وجود فصائل وتشكيلات ذات ارتباط خارجي وبخلفية أيديولوجية ذات خصوصية معينة (قومية يسارية)، من غير الواضح كيف سيتم التعامل معها أو دمجها ضمن هياكل الدولة السورية الجديدة. ويضاف إلى ذلك وجود ما أسماه بـ"التيار المعطل" الرافض لاتفاق 10 من آذار، والذي قد يعرقل المضي في تنفيذ بنود الاتفاق.

وكان الباحث السياسي بسام السليمان، قال لعنب بلدي، إنه يوجد تيار مرتبط بشخصيات قيادية، ضمن حزب "العمال الكردستاني" (PKK) على رأسهم قائد الحزب، جميل باييق، إضافة إلى القياديين البارزين، دوران قالقان ومراد قره ييلا، اللذَين ينحدران من تركيا، والموجودَين في السليمانية بالعراق، يسعون إلى "عرقلة" مسار المفاوضات، والضغط على التيارات الأخرى التي ترغب بالانضمام إلى الدولة السورية.

تحركات داخل "قسد"

يعتقد الباحث أنس شواخ أنه ستكون هناك تحركات وصفها بـ"الكبيرة والواضحة" خلال الأيام المقبلة من خلال الإعلان عن جدول زمني أو البدء بعمليات الدمج أو إلغاء حالة التمايز ومظاهر المعابر وعزل مناطق الجزيرة السورية عن بقية المحافظات. كما يتوقع أن تجري اجتماعات تحضيرية سواء بين اللجان المختصة من الطرفين أو اجتماعات داخلية ضمن هيكلية "قسد" وفصائلها ومؤسساتها للبحث وتهيئة عملية الدمج بشكل فعلي. ويتوقع أن يكون هناك تمديد للمدة، ووضع خط زمني جديد لتنفيذ أو إتمام عملية الدمج.

عقد اجتماع ثلاثي بين "قسد" و"الإدارة الذاتية" و"مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) في 13 من تشرين الثاني الحالي، لبحث مسار اتفاق 10 من آذار. ولم تنتج عن الاجتماع مخرجات واضحة، سوى بحث آليات دفع مسار تنفيذ اتفاق 10 من آذار إلى الأمام، والذي "يعد خطوة استراتيجية لترسيخ الاستقرار"، وفق تعبير "الإدارة الذاتية" في بيان لها. ووفق "الإدارة"، استعرض المجتمعون الخطوات المنجزة في هذا الاتجاه، مؤكدين على الاستمرار في "المسار التوافقي"، وتشجيع دمشق على تبنّي الحوار كخيار وطني لتسوية القضايا العالقة.

وتعتبر قضية اللامركزية، ومفهومها، إلى جانب آلية دمج "قسد" ضمن الجيش من أبرز القضايا العالقة بين الجانبين. وتريد "قسد" الحفاظ على نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها، وبحث صيغة توافقية من صيغ اللامركزية، وتدفع باتجاه الفيدرالية، بينما تصر دمشق على شكل الدولة المركزي. وبما يخص دمج القوات في شمال شرقي سوريا، تسعى "قسد" للدخول إلى وزارة الدفاع بكتلة واحدة، بينما تريد الحكومة السورية حل "قسد" ودخولها كأفراد ضمن الجيش، في حين تشير معطيات إلى تخليها عن هذا الشرط، ويتمثل ذلك بالحديث عن دمج ثلاث فرق بصيغة توافقية.

تعليق العقوبات يبرز المخاوف

من أهم نتائج زيارة الرئيس السوري إلى الولايات المتحدة، تعليق وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات بموجب قانون "قيصر" على سوريا جزئيًا لمدة 180 يومًا. قانون "قيصر" أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 من تشرين الثاني 2016، ووقّع عليه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (في ولايته الأولى)، في 21 من كانون الأول 2019.

أعلنت وزارتا الخارجية والتجارة الأمريكيتان، ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، في بيان مشترك، في 12 من تشرين الثاني الحالي، تعليق العمل بقانون "قيصر"، والسماح بنقل معظم السلع الأمريكية المنشأ للاستخدام المدني، والبرمجيات والتكنولوجيا، إلى سوريا أو داخلها، دون الحاجة إلى ترخيص.

قال المحامي السوري- الأمريكي والخبير في شؤون الكونجرس سمير صابونجي، إن قانون "قيصر" الذي أقره الكونجرس عام 2019 يفرض على الرئيس الأمريكي إعلان العقوبات على سوريا، ولكنه يسمح له بتعليق أو تجميد تطبيق أي بند من "قيصر" لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، إلا أنه لا يسمح للرئيس الأمريكي بإلغاء القانون، وكما أنه صادر عن الكونجرس فإلغاؤه يحتاج أيضًا إلى تصويت مماثل من الكونجرس. وعقب هذا الإعلان، يمكن للأفراد والشركات الأجنبية دعم سوريا دون الخوف من أنهم سيتعرضون لعقوبات أمريكية بموجب "قيصر"، بحسب ما قاله الخبير صابونجي.

وكشف المحامي أن هناك مناقشات حاليًا في الكونجرس حول "قيصر"، مع تجدد آمال السوريين سواء في الولايات المتحدة أو خارجها بإنهائه مع نهاية العام الحالي. ولرغبة إدارة ترامب بعدم عودة العراقيل التي فرضت بموجب "قيصر"، وجدت نفسها مضطرة لتعليق القانون مجددًا، وفق صابونجي.

يطرح المحامي السوري- الأمريكي ثلاث حالات تتعلق بمصير تعليق قانون "قيصر" أو تجميده:

  • في حال إلغاء قانون "قيصر" في نهاية العام 2025، دون شروط من قبل الكونجرس، فإن تعليق "قيصر" الحالي لا يعود له أي أثر قانوني، لأن أساس التعليق، وهو "قيصر" نفسه، تم إنهاؤه.
  • في حال إلغاء "قيصر" ولكن بشروط، سيكون ذلك متعلقًا بإعادة فرض القانون إذا لم تطبق الحكومة السورية هذه الشروط، وهنا أيضًا التعليق سينتهي مفعوله.
  • إذا لم ينجح إنهاء قانون "قيصر" من قبل الكونجرس، ولم يحصل توافق بين الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" أو بين مجلسي النواب والشيوخ، فإن التعليق الحالي يبقى ساري المفعول، وستجد الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة لتجديد التعليق بعد انتهائه كل ستة أشهر.

يعتقد صابونجي أن المستثمرين، سواء من الأمريكيين أو الأجانب أو السوريين، يعتبرون تعليق "قيصر" ليس كافيًا، لأن الإدارة الأمريكية يمكنها إلغاء هذا التعليق وإعادة فرض العقوبات. واعتبر أن هناك خطرًا ماثلًا أمام المستثمرين، يتمثل بعدم تجديد التعليق بعد انتهاء مدته المقدّرة بعد ستة أشهر، واصفًا إياه بـ"الخطر الأكبر على رأس المال".

خارطة المعارضة والموالاة لإلغاء "قيصر"

من وجهة نظر المحامي سمير صابونجي، لا يوجد أحد في مجلسي النواب والشيوخ يرفض تمامًا مبدأ إنهاء قانون "قيصر"، خاصة في ظل تأييد الرئيس ترامب لهذا التوجه، لكن بالأحرى، هناك مجموعتان: الأولى تؤيد إلغاءه بشكل غير مشروط، والثانية ترفض إلغاء "قيصر" دون شروط، أي أنهم يؤيدون إلغاءه ولكن بشكل مشروط. ومن الأمثلة على المجموعة التي تعتبر نفسها حذرة من إلغاء "قيصر" بشكل غير مشروط، المعروفون بدعمهم الصارم لإسرائيل: ليندسي غراهام، مارك لولر، براد شيرمان، براين ماست (خدم في الجيش الإسرائيلي)، ولكن يبقى العائق الرئيس والحقيقي هو ماست.

يعتبر النائب كريس فان هولن "رمادي الموقف"، وهناك محاولات لإقناعه بأن يكون مؤيدًا لإلغاء "قيصر" دون شروط، فهو من المنتقدين لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو، ولكنه حذر تجاه حقوق ومعاملة الأقليات في سوريا.

الفرق بين قراري تعليق "قيصر" في أيار وتشرين الثاني

أوضح المحامي سمير صابونجي أن قرار تعليق "قيصر"، في أيار الماضي، يسمى "Waiver" (أي الإعفاء من عقوبات قيصر)، وهو يندرج تحت بند معيّن منصوص عليه ضمن قانون العقوبات نفسه، يعفي من العقوبات حسب معايير المصالح الوطنية الأمريكية. أما القرار الجديد، في تشرين الثاني الحالي، فيسمى "Suspension" (أي تعليق العقوبات)، ويندرج تحت بند آخر بقانون "قيصر"، ويعتمد هذا التعليق على ما إذا قررت وزارة الخارجية الأمريكية أن الحكومة السورية قد استوفت المعايير المنصوص عليها في القانون، وهو ما حدث بالفعل.

يرى المحامي الأمريكي أن التأثير القانوني لكلا القرارين هو ذاته، أي أن عقوبات "قيصر" ليست سارية المفعول، ولكن اللافت أن الخارجية الأمريكية بعثت من خلال القرار الثاني إشارة أو رسالة "مبطنة" للكونجرس، بأن الحكومة السورية قد استوفت المعايير المنصوص عليها في القانون، بمعنى أن المحظورات في القانون لم تعد ضرورية ويمكن تعليقها، وبالتالي إلغاء القانون.

اقتصاديًا.. آثار التعليق على الاستثمارات

شرح المستشار الاقتصادي في مجلس الأعمال الأمريكي- السوري لؤي الحمصي، الآثار الاقتصادية للتعليق الذي أقرته الخزانة الأمريكية ومنها:

  • فتح مسارات استثمارية جديدة نظريًا، إذ إن تعليق العقوبات لبعض المعاملات، يمكن أن يفتح مجالات للتمويل الدولي، والبنوك، والاستثمار في البنى التحتية (كالكهرباء، الاتصالات، الماء، الصرف الصحي، النقل) كما ورد في التوجيهات الأمريكية، وهذا قد يشجّع بعض الشركات الأجنبية أو المستثمرين لبدء استكشاف الفرص الاستثمارية أو مراجعة قرارهم بتجميد الدخول لسوريا.
  • تخفيض تكلفة المخاطر وزيادة توقعات الربحية، وتعد المخاطر المرتبطة بالعقوبات (خسارة الوصول إلى النظام المالي الأمريكي، تجميد الأصول، سمعة الشركات) عامل كبح رئيسًا للاستثمار في سوريا، وتعليق العقوبات يقلّل جزئيًا من هذا العنصر، ما قد يحفّز بعض المستثمرين.
  • إشارات للاقتصاد السوري، فمن الناحية الاقتصادية، قد يُنظر إلى تعليق "قيصر" على أنه فرصة لإطلاق مشاريع إعادة إعمار، خاصة في بلد متضرّر كثيرًا مثل سوريا، ما يزيد الطلب على البنية التحتية، والخدمات والتمويل.

أشار تحليل المؤسسة البحثية المعتمدة من الكونجرس "The Wilson Center" إلى أن العقوبات كانت عائقًا رئيسًا لإعادة البناء في سوريا، وكذلك بعض التقارير أشارت إلى أن رفع العقوبات أو تخفيفها قد يُحدث "فرصة" للاقتصاد السوري. وتوجد مخاطر رغم التعليق أو التجميد، إذ لا تزال هناك قائمة كبيرة من الأشخاص والجهات ممن هم محظورون، ما يعني أن المستثمر يحتاج إلى إجراءات امتثال معقّدة ومخاطر مستمرة.

اعتبر المستشار الاقتصادي لؤي الحمصي أن "البنية التحتية المالية والنقدية في سوريا ضعيفة"، وكذلك النظام القانوني والضريبي والاستثماري ليس جاهزًا بالضرورة لاستيعاب استثمارات ضخمة بصورة سلسة. وبالتالي، وفق المستشار، فإن المخاطر التشغيلية (السياسية، العملة، النزاع) لا تزال "عالية"، وإذا شعر المستثمر أن هذا مجرد "تعليق مؤقت"، فقد يتردّد في اتخاذ قرارات كبيرة أو طويلة الأجل.

مشاركة المقال: