الإثنين, 17 نوفمبر 2025 08:16 PM

مجسمات دمشق: نافذة على عبق الماضي وهدايا تذكارية تحاكي الحاضر

مجسمات دمشق: نافذة على عبق الماضي وهدايا تذكارية تحاكي الحاضر

في قلب سوق القباقبية بدمشق القديمة، يعرض عدنان منصور مجسماته الدمشقية التي تجسد رموزاً ومعالم من مختلف المحافظات السورية، مرتبة بشكل يجذب الزوار والسياح.

بدأ عدنان منصور، وهو في الخمسينيات من عمره، رحلته في صناعة هذه المجسمات منذ أكثر من عشرين عاماً. تعتبر هذه الحرفة حديثة نسبياً، حيث ظهرت للعلن منذ حوالي ربع قرن.

يتطلب عمل منصور دقة في تحديد قياسات المجسمات وتصميمها باستخدام الحاسوب. يوضح منصور: "أصمم المجسم على برنامج خاص وفق قياسات معينة لا تتعدى السنتيمتر. ثم يتم إيصاله بطابعة ليزرية لتقطيع الخشب والحصول على أدق التفاصيل لإعطاء الشكل واللون والملمس ذاته للجسم الأصلي".

وأضاف منصور لمراسلة سانا: "أصنع المجسمات المصغرة لتكون طبق الأصل عن الحقيقة في محاكاة دقيقة، كالكراسي وغرف النوم والبحرة والسيف الدمشقي والفوانيس والكثير من المصغرات لتكون قطعاً تذكارية من دمشق القديمة. فهي أكثر من مجرد هدية رمزية، وإنما شاهد حي على تاريخ عريق وحضارة غنية امتدت لآلاف السنين، وتعكس عبقرية الحرفي الدمشقي وإبداعه المتوارث عبر الأجيال".

تعتبر المصغرات فناً تشكيلياً يجمع بين الإبداع والصبر، حيث تعتمد على بناء مجسمات صغيرة جداً تحاكي الواقع أو تخلق واقعاً خيالياً، وتجسد الأشخاص والحيوانات والجماد، وتعيد صياغتها في صورة أصغر بكثير من حجمها الطبيعي، باستخدام مواد بسيطة كالخشب والعاج والمعادن والحبال والقماش. تعتمد هذه الحرفة بشكل كبير على مهارة الحرفي، فكلما زادت دقة العمل تطلب منه صبراً وإتقاناً مضاعفاً.

تحمل هذه الحرفة بعداً ثقافياً واجتماعياً مهماً، حيث تعكس المجسمات الدمشقية ملامح البيئة الشامية. لعبت المسلسلات السورية دوراً كبيراً في انتشارها وزيادة الإقبال عليها من قبل السياح والمغتربين. تكتسب بعض النماذج المصغرة أسماء شخصيات تلفزيونية شهيرة لاقت رواجاً شعبياً، وتُستخدم في الخدع السينمائية عندما تتطلب الحاجة وجود مشاهد يصعب تنفيذها بحجمها الطبيعي، على نحو لا يجعل المشاهد يشعر بأي فرق.

على الرغم من أن صناعة المجسمات الحرفية التذكارية في سوريا تعتبر حديثة نسبياً، إلا أن فن المصغرات أو "المنمنمات" له جذور عميقة في الحضارة الإسلامية. برزت المدارس الفنية المتخصصة في هذا الفن، حيث كانت هذه الأعمال وثائق تاريخية وفنية تمثل حياة المجتمع وعاداته وتقاليده بدقة متناهية في الرسم والتفاصيل.

تظل المجسمات المصغرة الحالية، وإن تطورت في موادها وأدواتها (كالطابعات الليزرية)، امتداداً لتقليد فني حضاري عريق يهدف إلى حفظ الذاكرة البصرية والتعبير عن الهوية الثقافية والتراثية الغنية للمنطقة.

سانا

مشاركة المقال: