الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 06:08 AM

حكومة سوريا الانتقالية: هل يضمن الاجتماع والشراكة إدارة فعالة للبلاد؟

حكومة سوريا الانتقالية: هل يضمن الاجتماع والشراكة إدارة فعالة للبلاد؟

تشكلت حكومة سوريا الانتقالية في آذار 2025، وشهدت إلقاء الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لكلمة، بالإضافة إلى كلمات موجزة من الوزراء. بعد ذلك، عقدت الحكومة أول اجتماعاتها برئاسة الرئيس، ولكن حتى الآن لم يتم توضيح خطة عملها. هذا التأخير يعتبر غير معتاد في المراحل الانتقالية التي تتطلب عادةً تحديداً مبكراً للتوجهات العامة.

سناك سوري – بلال سليطين

هناك عرف سائد في معظم دول العالم، سواء كانت تعتمد نظاماً رئاسياً أو برلمانياً، يقضي بأن تقدم كل حكومة جديدة بياناً وزارياً يوضح برنامج عملها. ليس من الضروري أن يقدم هذا البيان إلى مجلس الشعب لنيل الثقة، بل يعتبر خطوة نحو الشفافية والوضوح أمام المواطنين. يهدف البيان الوزاري إلى تحديد خطة عمل الحكومة، وتوضيح أولوياتها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والخارجية والأمنية بشكل علني، مما يتيح للمجتمع مساءلتها، حتى في غياب المساءلة السياسية والقانونية، على الأقل من خلال الرأي العام، بناءً على الالتزامات التي أعلنتها الحكومة بنفسها. غياب هذا البيان يترك المواطنين دون إطار يمكنهم من خلاله فهم السياسات العامة أو متابعة تنفيذها.

خلال سنوات حكم البعث، كانت الحكومات المتعاقبة تقدم بياناتها الوزارية أمام مجلس الشعب. وعلى الرغم من أن نسبة تنفيذ ما جاء في تلك البيانات لم تتجاوز أحياناً 10% من الوعود، إلا أن البيان ظل يشكل وثيقة مهمة جداً في عمليات المراقبة والمحاسبة وفهم توجهات الدولة وسياساتها العامة. هذه الصيغة كانت تمنح الصحافة والمجتمع أدوات أساسية لفهم اتجاهات الدولة، حتى وإن بقي التنفيذ محدوداً. وفي الدول التي تشهد مراحل انتقالية كحالة سوريا، يصبح مشروع المرحلة الانتقالية أمراً لا يمكن تجاوزه، ويعبر عنه غالباً في البيان الوزاري أو بخطة عمل السلطات الانتقالية، ويكون واضحاً ومسمىً بشكل لا التباس فيه وعابر لكل القطاعات.

اجتماع مجلس وزراء سوريا أيار 2025

جنوب أفريقيا الناجحة والسودان المتعثرة.. ماذا عن سوريا؟

في جنوب أفريقيا، بعد نظام الفصل العنصري، أطلق برنامج RDP الذي حدد أولويات إعادة الإعمار والتنمية والعدالة الاجتماعية، واعتمدته حكومة الوحدة الوطنية كإطار عمل ملزم. وتعد تجربة جنوب أفريقيا من تجارب الانتقال الناجح على مستوى العالم. أما في السودان، فقد وضعوا برنامج المرحلة الانتقالية عام 2019، وإن كان يعاب عليه بعض التفاصيل إلا أنه اتسم بالوضوح المتمثل بالإعلان السياسي والإعلان الدستوري. علماً أن الإعلان الدستوري لا يمكن أن يحل محل خطة العمل التنفيذية. ومثلَّ الاتفاق في حينه تصوراً شاملاً حول ماهية الحكم في البلاد خلال الفترة الانتقالية. لكن تجربة السودان لم تكن ناجحة بالمحصلة وقادة المرحلة الانتقالية تمسكوا بالسلطة وانتقلت البلاد نحو دوامة عنف جديدة. أما في تونس التي تعد من أفضل تجارب الانتقال السياسي فإن الحكومة بعد إسقاط الرئيس بن علي، كان واضحاً في تشكيلها أنها حكومة انتقالية ذات مهمة محدودة، وأعلنت برنامجاً حكومياً عبر سلسلة من التصريحات والحوارات الصحفية، ركز على إلغاء القوانين غير الديمقراطية، ضمان الحريات العامة، التحضير لانتخابات حرة.

تدل هذه التجارب على أن وضوح الرؤية منذ اليوم الأول ليس ترفاً سياسياً، بل شرطاً أساسياً لنجاح أي مرحلة انتقالية.

تحديد المهام.. شفافية ومساءلة مجلس الوزراء

كل سلطة تحتاج خطة عمل واضحة وشفافة لكي يعرف المواطنون أين تأخذهم هذه الحكومة وماذا ستقدم لهم، ولكي تعرف الحكومة أيضاً بعموم وزرائها ما هو مسار عملها وكيف يتقاطع مع بعضه البعض. ولكي يتمكن المواطن من قياس الأداء والمساءلة فمعيار العمل الحكومي ليس بل هو العمل القابل للقياس بناء على خطة ومنهجية واضحة. وبعد 8 أشهر على تشكيل الحكومة السورية الانتقالية ما زلنا نفتقد لفهم خطة عمل هذه الحكومة ومنهجيتها، وحتى لفهم ماهية المرحلة الانتقالية ومحتواها. فكل الإجراءات تأتي دون وضوح ولا يوجد مرجع واحد تتقاطع فيه أمام المواطنين الخطوات والخطط والإجراءات ليفهم في أي إطار تصب هذه العملية بالمجمل، وهل يتقاطع عمل الوزراء مع بعضهم البعض.

“عندما تغيب هذه الخطة تتحول الإجراءات الحكومية إلى خطوات منفصلة يصعب قياسها أو فهم أثرها”

إذا حاولنا اليوم أن نطلع على ما قامت به الحكومة خلال 8 أشهر فإننا لا نجد أي مرجع شفاف يوضح لنا عمل الحكومة كمؤسسة. ربما يمكننا تتبع بعض الوزارات بشكل منفصل لفهم جزء من عملهم لكن سياق هذا العمل كثيراً ما يصعب فهمه لأنه لا يوجد بيان وزاري أو خطة حكومية أو برنامج وطني للمرحلة الانتقالية معلن وشفاف. لقد اجتمعت الحكومة منذ تشكيلها إلى اليوم 3 مرات برئاسة الرئيس “الشرع” الذي يتولى رئاسة الحكومة، أول اجتماعاتها كان في 7 نيسان 2025 وثانيها في نهاية أيار والثالث في تشرين الأول، وقد وصف اجتماع أيار بأنه اجتماع دوري وقال وزير الإعلام الدكتور حمزة مصطفى آنذاك إن هذه الاجتماعات دورية وستستمر ولكن الاجتماع التالي المعلن للحكومة بكامل وزرائها كان بعد مضي 5 أشهر من سابقه، أي أنه لا يوجد منهجية زمنية واضحة لاجتماعات الحكومة.

غياب البيان الوزاري ما يفتح الباب أمام التأويلات المتضاربة ويجعل أي تقييم للأداء مسألة شبه مستحيلة.

بالعودة إلى نتائج هذه الاجتماعات فهي أيضاً تزيد الضبابية في عمل الحكومة، وإن كانت وزير الإعلام “حمزة المصطفى” في الاجتماع الثاني للحكومة واسعة، وقد ذكر اسم الرئيس فيها أكثر من 25 مرة وفقاً لما نقلت صحيفة الثورة. لكنها افتقدت لمؤشرات الأداء، والجداول الزمنية، والمقارنات، والبيانات، وعلى سبيل المثال تضمنت الإحاطة مواضيع: البطالة، الفقر، الموازنة، الاستثمار، لكنها لم تتضمن نسباً وأرقاماً حول أي من هذه الموضوعات. ما يجعل من الصعب تحويل هذه الإحاطة إلى وثيقة رقابة أو متابعة طويلة الأمد. بينما الإحاطة التالية في اجتماع تشرين الأول 2025 كانت أكثر اعتماداً للبيانات والمؤشرات في بعض التفاصيل التي نشرتها وكالة سانا مثل إصدار 450 ألف جواز سفر تراجع تهريب المخدرات بنسبة 90% وإلغاء 5 ملايين منع سفر. لكن الشفافية بقيت في حدودها الدنيا في الإحاطة التالية التي كانت أكثر اختصاراً من سابقتها وأقل توسعاً، واقتصرت معلوماتها على العموميات مثل سوريا تواصل تحسين بيئة الاستثمار دون الإجابة على سؤال الكيف؟ والإنجاز؟ والمدى المنظور؟. وتضمن مثلاً “عرض حول خطة تطوير مطاري دمشق وحلب” دون إجابة على سؤال مضمون الخطة، متى ينتهي تنفيذها، ما هي تكلفتها؟ ماذا ستحقق من أهداف ..إلخ وفقاً المنشور في وكالة الأنباء الرسمية. علماً أن اجتماعات منفصلة عقدت برئاسة أمين عام رئاسة مجلس الورزاء “ماهر الشرع” وأخرى برئاسة معاونه “علي كدة”، لكنها كانت اجتماعات مع وزراء معينين ولم تكن جلسات لمجلس الورزاء.

الأرقام الجزئية مهما كانت مهمة لا تعوض غياب الخطط، ولا تكشف الأثر الفعلي للإجراءات.

الفراغ التنسيقي.. حكومة سوريا الانتقالية

أي مؤسسة تجارية صغيرة تحتاج لاجتماع دوري غالباً ما يكون أسبوعياً وفي بعضها يكون يومياً كالمؤسسات الصحفية، فكيف بحكومة تقود بلداً في مرحلة انتقالية هي بأمس الحاجة لأعلى درجات التنسيق والتواصل والتشاركية بين وزرائها. بالنظر إلى الحكومات المجاورة فإن المتعارف عليه في أن تجتمع الحكومة كل أسبوعين، أما السعودية فالعرف أن يجتمع مجلس الوزراء كل يوم ثلاثاء، لكن في السعودية واجهوا مشكلة ربما تواجهنا في سوريا حالياً وهي أن الملك وولي العهد ليسا متاحين بشكل دائم لحضور اجتماع أسبوعي لذلك صدر يسمح بانقعاد مجلس الوزراء دون حضور الملك وولي العهد. الرئيس الشرع يترأس اجتماع مجلس الوزراء مع تحول رئاسة مجلس الوزراء في سوريا إلى مهام مباشرة دون وجود لشخصية رئيس الوزراء، أصبح اجتماع المجلس في سوريا برئاسة رئيس الدولة “أحمد الشرع”، وبالنظر إلى 3 اجتماعات فقط لحكومة سوريا الانتقالية خلال 8 أشهر فهذا ربما يكون عائداً لانشغالات الرئيس وعدم وجود وقت فراغ لديه لاجتماع دوري أسبوعي. ما يعيدنا للنقاش الجوهري حول نظام الحوكمة الحالي في سوريا ودمج مؤسسة مجلس الوزراء مع مؤسسة الرئاسة في هيكلية واحدة. تحتاج الحكومة السورية الانتقالية لاجتماعات دورية وخلال 8 أشهر يجب أن تكون عقدت على الأقل 16 اجتماعاً مشتركاً، فمعدل الاجتماعات المنخفض في مرحلة انتقالية يعد مؤشراً سلبياً على مستوى العمل الجماعي للسلطة الانتقالية والفاعلية والتنسيق والمتابعة. وإن كان للتنسيق الثنائي أهميته الكبيرة لكن المراجعة والتنسيق الجماعي يبقى أولوية دورية وتحتاج لانتظام. كما أن الاجتماعات الدورية مفترض أن يصدر عنها قرارات جماعية توحي بإدارة مشتركة للبلاد وليس بإدارة فردية، وبظل غياب مجلس الشعب حتى الآن فإن هذا الغياب لمؤسسة مجلس الوزراء يثير الريبة، وذلك لكونها الجهة التي يجب أن تعبر بشكل رئيسي عن التشاركية في السلطة واتخاذ القرار بعد التشاور والتفكير المشترك. وبدون خطة عمل وطنية واضحة يناط بالحكومة الانتقالية تنفيذها، وانتظام واضح ودوري لاجتماعاتها وعملها، وبدون شفافية وعلنية، يصعب اعتبار أي حكومة جسماً تنفيذياً كاملاً، ويتولد الشك في أنها مجموعة مبادرات متناثرة تفتقد للخطة والإطار الجامع. في وقت هي تفتقد فيه أصلاً للمساءلة والمحاسبة.

مشاركة المقال: