شبكة أخبار سوريا والعالم/ لم يكن اعتقال نوح زعيتر، أحد أبرز المطلوبين للدولة اللبنانية بتهمة الاتجار بالمخدرات وإطلاق النار، مجرد عملية أمنية ناجحة، بل تتويجًا لمسار مطاردة استمر ثلاث سنوات، شهدت تغييرات في المواقع على جانبي الحدود اللبنانية السورية. فالمطلوب الذي عرفه البقاع بلقب «الإمبراطور»، عاش خلال هذه السنوات أطول فترة اختفاء له، متنقلًا بين الجرود والحدود، قبل أن يفقد تدريجيًا امتداداته السورية وشبكته الداخلية، وصولًا إلى اللحظة التي انهارت فيها جميع خطوط الحماية مرة واحدة.
2022... بداية الخنق الأمني
في لبنان، كان عام 2022 بداية مرحلة التضييق الحقيقي؛ إذ أسفرت عملية أمنية نفذها الجيش اللبناني في بعلبك، شرق لبنان، عن واقع جديد؛ حيث فقد المطلوبون من مروجي المخدرات والمدانين بإطلاق النار واستهداف الجيش اللبناني، الغطاء الأهلي والعشائري. وقام الجيش بجرف مضافات يتم تقديم المخدرات فيها، ومن بينها مضاف لزعيتر نفسه.
بالتوازي، نفذ الجيش مداهمات واسعة في حي الشراونة في بعلبك، وجرود الكنيسة، مسقط رأسه، في شرق لبنان، بعد تزايد عمليات إطلاق النار وتنامي نفوذ الشبكات المسلحة. وأدت تلك العمليات إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف العسكريين، واتُّهم مقربون من زعيتر بالمواجهة المسلحة.
وفي تلك الفترة، أُوقف ابنه مهدي في كمين محكم قرب بعلبك بعد مراقبة دقيقة، في إشارة إلى أن القبضة الأمنية بدأت تُحكم على الدائرة الأقرب إليه. وجاء توقيف مهدي، بعد عملية أخرى في جونيه، أسفرت عن توقيف نجله الآخر علي، بتهمة تعاطي المخدرات.
في تلك اللحظات، «عرف زعيتر أن الغطاء الأمني الذي يحميه، فقده، فقرر التواري واللجوء إلى سوريا، حيث ظهر في عدة مقاطع فيديو في عدة مدن في سوريا بينها حماة واللاذقية»، حسبما تقول مصادر في البقاع لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «تراكم الملفات القضائية أفقده الغطاء»، في إشارة إلى حكم غيابي بـ«المؤبد» عام 2021، ثم حكم بالإعدام الغيابي عام 2024، على خلفية مقتل عسكري في مداهمات 2022.
2023... العقوبات الأميركية
عام 2023 كان مفصليًا. فالعقوبات الأميركية التي طالت زعيتر وضعت اسمه في إطار دولي مرتبط بإنتاج وتهريب الكبتاغون. هذا التحول حمل رسائل ثقيلة للمحيطين به: أي اقتراب من الشبكة صار مكلفًا داخليًا وخارجيًا. كثيرون ابتعدوا، وشركاء بارزون فرّوا إلى سوريا، فيما آخرون فضلوا الانسحاب الكامل، وفي الوقت نفسه، ازداد الخناق على حلقته الضيقة.
انهيار الامتداد السوري
يؤكد مصدر من بعلبك مواكب لرحلات تعقب زعيتر لـ«الشرق الأوسط»، أن سوريا «لطالما اعتمد عليها زعيتر لحركة رجاله وعمليات التهريب»، موضحًا: «خلال سنوات الحرب السورية، شيّد منزلاً في إحدى بلدات ريف القصير، وبنى شبكة علاقات وثيقة مع ضباط من الفرقة الرابعة، ما منحه غطاءً سمح له بالتحرك بحرية ومراكمة النفوذ».
لكن تبدل السلطة هناك أطاح بكل ذلك. يقول المصدر: «مع دخول مجموعات جديدة إلى القرى الحدودية، صودرت ممتلكات ومقرات، وأُقفلت المسالك التي كانت تشكل الشريان الرئيسي لأنشطته. منذ تلك اللحظة، بدأت النهاية الفعلية، نصف قوة زعيتر سقطت يوم فقد امتداده السوري».
مقتل «أبو سلة» لحظة الانهيار الكبير
الضربة التي كسرت الحلقة الأخيرة جاءت في 6 أغسطس (آب) 2025. يومها نفذ الجيش اللبناني عملية واسعة في حي الشراونة أسفرت عن مقتل علي منذر زعيتر، المعروف بـ«أبو سلة».
أعاد مقتل «أبو سلة» رسم خريطة القوى داخل البقاع، وأسقط آخر شبكة حماية بقيت قائمة حول «الإمبراطور». يقول المصدر: «بعد تلك العملية، صار توقيف نوح مسألة وقت. فقد رجاله وممراته، ولم يعد يملك سوى التخفي».
الكمين الأخير
عندما أطبق جنود الجيش اللبناني على زعيتر، لم تحصل مواجهة، ولم يتسن له الوقت لإطلاق النار. يقول المصدر: «الطريقة التي أوقف بها، من دون مقاومة، جعلت الناس يتساءلون إن كان الرجل قد وجد نفسه في طريق مسدود تمامًا». ويضيف: «كانت كل خطوط الهرب مقطوعة، وكل الامتدادات منهارة، ولم يعد أمامه سوى الاستسلام أو السقوط».
3 سنوات صنعت النهاية
توقيف نوح زعيتر لم يكن مفاجئًا، بل تتويجًا لمسار بدأ مع تضييق الخناق الأمني في الداخل، والعقوبات الدولية، وسقوط الامتداد السوري، والتضييق على تجار المخدرات. كل ذلك جعل تخفيه مجرد إرجاء للحظة الحتمية.
يقول المصدر: «هذه ليست قصة توقيف شخص واحد، بل نهاية مرحلة كاملة من اقتصاد التهريب في البقاع. وما حدث لم يكن ليقع لولا أن الحماية السياسية والأمنية انهارت معًا. انتهت اللعبة، وانتهى زمن الرجال الذين كانوا يتحركون بين الجرود بلا خوف».
المصدر- الشرق الاوسط