الإثنين, 24 نوفمبر 2025 08:26 AM

التفكير الاستراتيجي وإعادة الإعمار في سوريا: رؤى وخطط لمستقبل أفضل

التفكير الاستراتيجي وإعادة الإعمار في سوريا: رؤى وخطط لمستقبل أفضل

تؤكد هنادة سمير على أن التفكير الاستراتيجي أصبح اليوم ركيزة أساسية لنجاح المؤسسات، ليس فقط كأداة للتخطيط، بل كمنهج يشكل طريقة التفكير وصياغة رؤية بعيدة المدى. وفي سوريا ما بعد التحرير، تتضاعف أهمية هذا النهج مع دخول البلاد مرحلة حساسة من إعادة البناء، وإعادة تشكيل المؤسسات، ووضع أسس الدولة السورية الجديدة القائمة على الحوكمة، والفاعلية، وإدارة الموارد بكفاءة، وابتكار حلول مستدامة لتحديات كبيرة ورثتها البلاد.

يعرّف خبراء الإدارة التفكير الاستراتيجي بأنه القدرة على رؤية الصورة الكبيرة، وفهم الترابطات بين عناصر البيئة، وبناء مسارات طويلة المدى تترجم إلى خطط قابلة للتنفيذ. إنه نمط فكري يتجاوز التوقعات قصيرة الأجل لإنتاج رؤية قادرة على التكيف والتحول. فالقائد الاستراتيجي لا ينتظر الظروف بل يخلقها، ولا يكتفي بتفسير الواقع بل يعمل على إعادة تشكيله عبر إدخال بدائل جديدة، وترتيب الأولويات، وتحويل الضغوط إلى فرص.

في هذا السياق، نظّمت وزارة التنمية الإدارية ندوة بعنوان "التفكير الاستراتيجي وصنع القرار في الإدارة العامة"، جمعت خبراء وباحثين ومديرين من مختلف القطاعات، وذلك بهدف تأسيس مسار جديد للقيادات. وجاءت الندوة ضمن توجه حكومي يهدف إلى بناء إدارات قادرة على مواكبة مرحلة إعادة البناء.

خلال الندوة، قدم الخبير المالي والإداري غازي المهايني أفكاراً محورية حول أهمية التفكير الاستراتيجي كأداة للبقاء والبناء، وضرورة فهم البيئة التي تعمل فيها المؤسسة كأساس لاتخاذ القرار الواعي، مؤكداً أن المؤسسات السورية تمتلك فرصة تاريخية لإعادة بناء دورها والتخلص من الإدارة التقليدية التي أثبتت محدوديتها.

من جهته، أوضح مدير بناء القدرات في وزارة التنمية الادارية في حديثه لـ"الثورة" أن الندوة التي نظّمتها الوزارة ليست نشاطاً منفصلاً، بل مقدمة لبرنامج تدريبي تعمل الوزارة على إعداده في مجال التفكير الاستراتيجي، موجّه إلى المديرين ضمن شرائح محددة وعلى عدة مراحل. ويهدف البرنامج – وفق أبو عمر ـ إلى نقل الإدارة من الحالة التنفيذية اليومية إلى حالة التخطيط وتتبع الخطة وتنفيذها، مشيراً إلى أن التنفيذ نفسه يولّد أفكاراً جديدة تُدمج ضمن الخطط المستقبلية.

وأكد أبو عمر أهمية تطوير القدرات في التفكير الاستراتيجي في المرحلة الحالية، وربطها بعملية إعادة الإعمار وتأسيس الدولة السورية الجديدة، لأن غياب الأهداف الاستراتيجية والمتوسطة المدى سيؤدي – كما يقول – إلى دوران المؤسسات في دائرة مفرغة من دون إنتاج حقيقي، ما يجعل هذا النوع من التدريب ضرورة ملحة.

يبين الباحث في الإدارة العامة عماد منصور لـ"الثورة" أن المرحلة الحالية في سوريا تشهد واقعاً مركّباً يتطلب من المؤسسات الانتقال من العمل اليومي المتقطع إلى التخطيط، ومن معالجة النتائج إلى معالجة الأسباب. فالمدن والمناطق المحررة تحتاج إلى نماذج إدارة جديدة تقرن بين الاحتياجات الملحة والتطلعات المستقبلية، وتوازن بين الموارد المحدودة والمتطلبات الواسعة.

ويضيف: في هذا السياق يظهر التفكير الاستراتيجي كإطار عمل يجمع بيئات متباينة، ويوفق بين الإمكانات المتاحة والأهداف الكبرى، ويضع مساراً للقرار مبنياً على تحليل المخاطر والفرص. فالقرار لم يعد مرتبطاً بالإدارة الداخلية للمؤسسة فقط، إنما بات يمتد أثره إلى المجتمع والاقتصاد والتعليم والخدمات.

ويشير منصور إلى أن التفكير الاستراتيجي بهذا المعنى ليس مجرد وضع خطط أو تقدير المستقبل، بل هو أسلوب شامل للتفكير يتضمن التحليل والتقييم وصناعة القرار في آن واحد، ويتطلب هذا النهج فهماً عميقاً للبيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة، والقدرة على التنبؤ بالتغيرات المحتملة، وتقييم تأثيرها على الأهداف طويلة المدى.

ويعتمد التفكير الاستراتيجي على ثلاثة عناصر رئيسية: رؤية واضحة، تحليل معمّق للبيانات والمعلومات، وقدرة على التكيف مع التحديات غير المتوقعة. وبحسب منصور يشمل التفكير الاستراتيجي القدرة على ربط الخطط قصيرة المدى بالأهداف الطويلة المدى، وتحويل المعوقات إلى فرص، وتوظيف الموارد المتاحة بأكثر الطرق كفاءة. ويرى ان هذا النهج يمثل في السياق السوري، ضرورة وطنية، إذ تحتاج البلاد إلى نماذج قيادة قادرة على التعامل مع تحديات إعادة الإعمار، وإصلاح الإدارة، وتطوير الخدمات العامة، بطريقة متوازنة تراعي الواقع المعقّد والمحددات المادية والاجتماعية.

ويؤكد الباحث منصور أن عملية اتخاذ القرار تمر بعدة مراحل تبدأ بتحديد المشكلة وفهمها بوضوح، تليه جمع المعلومات و الحصول على البيانات الكافية لدعم القرارات ويأتي بعد ذلك تحليل الخيارات التي تشمل دراسة مزايا وعيوب كل خيار متاح ومن ثم يتم اختيار الحل الأفضل بناءً على التحليل، واختيار القرار الأنسب، وبعد ذلك يكون التنفيذ من خلال تحويل القرار إلى واقع ملموس، تلي ذلك مرحلة التقييم والمتابعة و مراجعة النتائج التي يتم بناء عليها تعديل الاستراتيجيات إذا لزم الأمر.

مشاركة المقال: