لم تكن الجريمة التي وقعت في بلدة زيدل بحمص مجرد حادث جنائي فردي، ولا يمكن تصنيفها ضمن "القتال الأهلي" كما حاولت بعض الأصوات المتشنجة تصويرها. تشير المعطيات المحيطة بالحادثة، والطريقة التي استهدفت بها عائلة من بني خالد بأساليب تثير الحساسيات الطائفية، إلى أن الهدف كان تفجير نسيج اجتماعي أثبت تاريخياً قدرته على منع الانقسام، وليس إشعال فتيل الصراع بين أهالي البلدة وجيرانها.
إن توقيت محاولة إثارة الفتنة يحمل دلالة كبيرة، فالبلاد على أعتاب مرحلة يفترض أن تتجه نحو استقرار سياسي وأمني تدريجي، مما يجعل أي بيئة متوترة هدفاً جذاباً لمن يسعى لعرقلة هذا المسار. بالتالي، يبدو واضحاً أن ما حدث في زيدل كان محاولة لإثارة الفتنة من خلال استغلال صدمة الجريمة لدفع السكان إلى ردود فعل عاطفية قد تتوسع بسرعة وتتجاوز حدود البلدة.
انتشار الجيش والأمن واحتواء الموقف: كان انتشار الجيش وقوى الأمن الداخلي في اللحظات الأولى من التوتر نقطة تحول حاسمة في مسار الأحداث. لم يكن التدخل بغرض استعراض القوة، بل لمنع انتقال التوتر إلى أحياء أخرى، ومنع أي طرف من استغلال الغضب الشعبي لإشعال مواجهة لا تصب في مصلحة أحد.
ساعدت الإجراءات الأمنية المكثفة في استعادة السيطرة على الوضع العام، وفي إرسال رسالة واضحة مفادها أن الأمن المجتمعي هو مسؤولية الدولة، وأن أي محاولة للدخول في مسار انتقامي أو طائفي ستواجه بحزم.
تحقيقات جارية: بالتوازي مع جهود التهدئة الميدانية، بدأت تحقيقات موسعة للوصول إلى الجناة الحقيقيين والجهات المحتملة التي تقف وراء الجريمة أو تحاول استغلالها. في تصريحات متتالية، جددت الدولة التزامها بحماية جميع المواطنين، ومنع أي شكل من أشكال الثأر أو الخطاب التحريضي، مؤكدة أن العدالة لن تكون فردية أو فوضوية، بل مؤسسية وشفافة.
حمص.. مدينة تتجاوز أزماتها: لم تكن حمص يوماً بعيدة عن التحديات الصعبة، لكنها في كل مرة تخرج أكثر تماسكاً. من المرجح والمتوقع أن تتعامل مع هذا الحدث بنفس المنطق الذي جنبها في السابق الانزلاق إلى هاوية لا يريدها أبناؤها. التجارب التي عاشتها المدينة جعلت وحدة مجتمعها عنصراً غير قابل للمساومة، مهما حاولت بعض الأطراف العبث به.
ما جرى في زيدل ليس بداية صراع، بل محاولة لإشعال فتيل صراع لم ينجح. التدخل السريع، وضبط الشارع، وفتح مسار قانوني واضح للتحقيق، كلها عوامل أسهمت في منع توسع دائرة التوتر. ومع تقدّم التحقيقات، يصبح الانتقال من الصدمة إلى استعادة الثقة ضرورة تتكامل فيها مسؤولية الدولة مع وعي المجتمع، ليبقى المشهد في حمص عنواناً لوحدة تتجاوز الجراح، لا لفتنة تفرض عليه.
الوطن