الأربعاء, 26 نوفمبر 2025 10:55 AM

الإمارات تطلق الدرهم الرقمي: نقلة نوعية نحو اقتصاد نقدي ذكي وتقود التحول المالي في المنطقة

الإمارات تطلق الدرهم الرقمي: نقلة نوعية نحو اقتصاد نقدي ذكي وتقود التحول المالي في المنطقة

بينما تترقب معظم الاقتصادات العالمية مستقبل العملات الرقمية الرسمية، اتخذت الإمارات العربية المتحدة خطوة جريئة نحو صدارة المشهد المالي الرقمي. فالدرهم الإماراتي الرقمي ليس مجرد تطوير لأنظمة الدفع، بل هو ميلاد لاقتصاد ذكي يعيد تعريف مفهوم المال، وسرعة تداوله، وقدرته على تخطي الحواجز المالية التقليدية التي أعاقت حركة التجارة والتحويلات المالية.

منذ إطلاق برنامج البنية التحتية المالية الجديدة في عام 2023، تعامل المصرف المركزي الإماراتي مع مشروع الدرهم الرقمي كتحول استراتيجي في طبيعة النقد ووظيفته، وليس مجرد تجربة تقنية. وقد وضعت الإمارات تصورا مزدوجا لعملتها الرقمية يشمل المؤسسات المالية الكبرى والقطاع المصرفي، بالإضافة إلى تسهيل المعاملات للأفراد والشركات، مما يعزز بنية نقدية مرنة تستجيب للتحولات الاقتصادية المتسارعة، ويتيح استخدامات متعددة تشمل المدفوعات الحكومية والتحويلات بين الجهات المختلفة.

وقد تجسدت هذه الرؤية عندما نفذت وزارة المالية وهيئة دبي المالية أول معاملة حكومية باستخدام الدرهم الرقمي عبر منصة mBridge، في عملية استغرقت دقيقتين فقط. وكانت هذه الخطوة بمثابة إعلان رسمي لدخول الإمارات عصر المدفوعات السيادية الرقمية، وانضمامها إلى شبكة تضم الصين وهونغ كونغ وتايلاند، في حين لا تزال دول أخرى في مراحل مبكرة من البحث.

وتتجلى أهمية هذا التحول في السياق العالمي؛ فوفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي لعام 2025 (IMF Policy Paper No. 041)، دخلت العملات الرقمية السيادية مرحلة متقدمة من التطوير أو الاختبار في أكثر من ثلثي اقتصادات العالم، مع انتقال العديد من الدول من مرحلة البحث النظري إلى التجارب الفعلية. ويكشف هذا التحول المتسارع أن النظام النقدي العالمي على أعتاب إعادة تشكيل جذرية، ويضع الإمارات في قلب سباق دولي لتحديد مستقبل المال. ففي حين تتقدم الصين عبر “اليوان الرقمي”، وتستعد أوروبا لإطلاق “اليورو الرقمي”، تتعامل الولايات المتحدة بحذر مع مشروع “الدولار الرقمي” بسبب تبعاته العالمية.

وفي هذا السياق، تبرز الإمارات بقدرتها على ربط عملتها الرقمية بمنصات دفع دولية منذ البداية، مما يمنح الدرهم الرقمي دوراً يتجاوز حدود الدولة نحو بيئة مالية إقليمية ودولية متكاملة. ويزداد هذا التميّز وضوحاً مع قابلية البرمجة التي تتيح تنفيذ المدفوعات تلقائياً عند تحقق شروط محددة، ما يفتح الباب أمام عقود ذكية وسلاسل إمداد مالية رقمية ونماذج أعمال جديدة.

ومع اقتراب دخول الدرهم الرقمي مرحلة الاستخدام الواسع، بدأت المصارف في الإمارات والمنطقة بإعادة صياغة نماذج عملها لمواكبة التحول الجديد. وهي تستثمر في تحديث أنظمة المدفوعات، وتطوير محافظ رقمية قادرة على التعامل مع العملة الجديدة، ورفع جاهزيتها في الأمن السيبراني وتحليل البيانات، لتتحول تدريجياً من وسيط تقليدي إلى مزود خدمات مالية رقمية متكاملة تدعم الشركات والأفراد داخل منظومة نقدية أكثر سرعة وشفافية. ومع توسّع المشروع خلال السنوات المقبلة، يُتوقع أن يصبح الدرهم الرقمي جزءاً من الحياة اليومية، سواء في التحويلات الفردية أو التجارة الرقمية أو دفع الرسوم الحكومية. وعلى المستوى الإقليمي، يقدم هذا النموذج للدول الخليجية والعربية، التي لا تزال معظمها في مراحل الدراسة أو التجربة الأولية، رؤية جديدة لبناء الثقة بالنقد عبر التكنولوجيا ومواكبة التحولات المالية العالمية.

في المحصلة، يبدو واضحاً أن الدرهم الإماراتي الرقمي ليس مجرد خطوة في مسار التحول الرقمي، بل محطة مفصلية تعيد صياغة مفهوم المال في المنطقة، وإعلان ولادة اقتصاد نقدي ذكي تتقدم به الإمارات بثقة نحو مستقبل يتشكل الآن، لا بعد سنوات.

مشاركة المقال: