الخميس, 27 نوفمبر 2025 01:32 PM

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص: فرصة اقتصادية أم بداية نزاعات إقليمية؟

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص: فرصة اقتصادية أم بداية نزاعات إقليمية؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ يمثل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص نقطة تحول حاسمة في التطورات الجارية في شرق البحر الأبيض المتوسط. لم تعد مياه المنطقة مجرد مساحة جغرافية تفصل بين الدول، بل أصبحت ساحة تتداخل فيها المصالح المتعلقة بالطاقة مع الحسابات الجيوسياسية.

لا يُنظر إلى الترسيم الأخير على أنه مجرد خطوة فنية لتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة، بل يعكس تحولاً في طريقة تعامل لبنان مع ملف السيادة البحرية. ينتقل لبنان من مرحلة الغموض والتردد إلى محاولة لتأكيد حقوقه وتهيئة بيئة قانونية جاذبة للمستثمرين، مما قد يعزز دوره الفعال في سوق الغاز الإقليمي.

تأتي زيارة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى بيروت اليوم لتعزيز هذا المسار، حيث من المتوقع أن تشهد الزيارة التوقيع الرسمي على الاتفاقية. ومن المفترض أن تتوج هذه الزيارة بعشاء رسمي في بعبدا، وهو ما يشكل إشارة سياسية إلى انتقال الملف من مرحلة التفاوض السري إلى مرحلة الترسيم الفعلي بين البلدين.

بالنسبة للبنان، يُنظر إلى الاتفاق على أنه فرصة اقتصادية قد تساعد في التخفيف من حدة الانهيار المالي من خلال جذب شركات الطاقة وإعادة إدراج البلاد في خرائط الاستثمار العالمية. إلا أن هذا التفاؤل يصطدم، وفقًا لأوساط سياسية، بأسئلة داخلية حول ما إذا كانت الدولة قد حصلت على الحد الأقصى من حقوقها، أم أنها اكتفت بما تسمح به موازين القوى الإقليمية وتعقيدات المشهد الدولي. فقد أُقرت الاتفاقية في 23 تشرين الأول الماضي على الرغم من اعتراضات عديدة، خاصة من أطراف ترى أن بيروت استعجلت التوقيع قبل استكمال ملفاتها الحدودية مع سوريا، التي تتشارك معها مساحة بحرية حساسة لم تُحسم خطوطها النهائية بعد. ترى هذه الأوساط أن استكمال التفاوض مع دمشق كان يمكن أن يمنح لبنان موقعًا تفاوضيًا أقوى في مواجهة قبرص، وربما مساحة أوسع لالتقاط مصالح مشتركة مع أنقرة ودمشق. ويرى المعترضون أن الابتعاد عن شبكة العلاقات الإقليمية التي تربط لبنان بدول الجوار لا يصب في المصلحة الوطنية، وأن الضغط كان ممكنًا للحصول على شروط أفضل بدلًا من الذهاب نحو اتفاق يُخشى أن يكون متسرعًا.

تزداد الصورة تعقيدًا مع دخول العامل التركي على الخط. فأنقرة، التي تتعامل مع الملف البحري من زاوية الأزمة القبرصية وترفض أي ترتيبات تستثني القبارصة الأتراك، تنظر بحذر إلى أي اتفاق مع قبرص اليونانية يمكن أن يشكل سابقة تعزز موقع الأخيرة في إعادة تشكيل توازنات المتوسط. ترى تركيا أن هذه الاتفاقيات ليست مجرد تفاهمات حدودية، بل خطوات ترسخ منظومات إقليمية قد تقصيها عن مشاريع الطاقة ومسارات التصدير إلى أوروبا. يكتسب هذا الموقف زخمه في ظل عقيدة "الوطن الأزرق"، التي باتت تحدد بوصلة السياسة البحرية التركية، حيث يتحول البحر إلى امتداد مباشر للأمن القومي ومجال للحضور الجيوسياسي.

من هذا المنطلق، قد تستخدم تركيا أدوات ضغط دبلوماسية أو سياسية لإبقاء ملف الترسيم مفتوحًا، خاصة إذا بدا أن الغاز اللبناني سيشكل رقمًا مؤثرًا في توازنات الطاقة الإقليمية. وفي حال تغيرت المعادلات مستقبلًا، قد تجد أنقرة نفسها أمام خيارات إعادة التموضع أو السعي نحو شراكات اقتصادية جديدة مع بيروت.

تتقاطع هذه المواقف مع مساعٍ تركية لإبرام اتفاق بحري مع الحكومة الانتقالية في سوريا، في خطوة قد تغير المعادلات البحرية في شرق المتوسط وتعيد رسم حدود النفوذ ومسارات الطاقة. وقد قدرت مسوحات جيولوجية أميركية احتياطات حوض الشام بنحو 3450 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط، ما يجعل المنطقة إحدى الساحات الأكثر وعدًا والأكثر عرضة للتجاذبات في آن واحد.

في ظل هذا المشهد، يصبح ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص محطة ضمن سياق أوسع من قدرات أي دولة منفردة. وخيار لبنان اليوم، وفقًا لخبراء اقتصاديين، هو تحويل هذا الترسيم إلى رافعة سياسية واقتصادية تعيد بناء الثقة المفقودة داخليًا وخارجيًا. أما الفشل في إدارة هذا المكسب، فقد يعيد إنتاج دورة الأزمات ويدخل البلاد في مرحلة جديدة من التجاذبات الإقليمية التي لا يملك ترف خوضها مجددًا.

لبنان 24

مشاركة المقال: