الخميس, 27 نوفمبر 2025 11:55 AM

مبادرة ترامب وتداعياتها: هل أقرت أمريكا بانتصار روسيا وهزيمة أوكرانيا والغرب؟

مبادرة ترامب وتداعياتها: هل أقرت أمريكا بانتصار روسيا وهزيمة أوكرانيا والغرب؟

يرى حسن حردان أن مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حسمت نتيجة الحرب في أوكرانيا، لصالح الإقرار بانتصار روسيا وهزيمة أوكرانيا. هذه الهزيمة تتجلى في خضوع أوكرانيا لشروط روسية قاسية، مثل خسارة مناطق واسعة في الدونباس وخاركيف وخيرسون وزابورجيا، وتغيير النظام ونزع السلاح وتحييدها. ويرى الكاتب أن الدول الغربية لم تتمكن من منع هذا السيناريو الذي سلمت به واشنطن، ولهذا سيكون للإقرار بهذه النتيجة تداعيات استراتيجية وجيوسياسية عميقة على النظام الدولي بأكمله، وليس فقط على أوروبا.

ويشير الكاتب إلى أن الغرب بقيادة أميركا هو من شجع النظام الأوكراني على رفض تطبيق اتفاق مينسك لحل الأزمة بين كييف وموسكو على قاعدة إعطاء الحكم الذاتي لإقليم الدونباس ذي الغالبية الروسية، وذلك باعتراف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. وبالقدر الذي كانت فيه أميركا وحلفاؤها يسعون إلى إضعاف روسيا وإلغاء دورها المتعاظم على الساحة الدولية تمهيداً للاستدارة باتجاه محاصرة الصين وتحجيم دورها، فإن خروج روسيا من هذه الحرب منتصرة سيعني ازدياد قوتها ونفوذها على الساحة الدولية وتعزيز قوة التحالف الروسي الصيني الساعي إلى بناء نظام عالمي جديد يقوم على التعددية والتشاركية، بديلاً لنظام القطب الأوحد الذي تهيمن فيه أميركا على العالم.

لذلك من المنتظر أن تكون لذلك تداعيات جيوسياسية على النظام الدولي، وعلى أوروبا وأوكرانيا، تتمثل في:

  1. إحداث تغيير في موازين القوى العالمية، حيث سيعزز انتصار روسيا بشكل كبير طموحها ونفوذها في أوروبا الشرقية لحماية أمنها القومي، وفي العالم.
  2. سيادة أزمة ثقة في قدرة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة على مواجهة روسيا وتحجيم دورها، وسيُنظر إلى هذا الفشل على أنه ضعف في الإرادة الغربية وفي فعالية العقوبات و"حرب الوكالة"، التي استخدمت ضد روسيا وأخفقت إخفاقاً واضحاً في تحقيق أهدافها في إضعاف وإخضاع روسيا.
  3. هذه النتيجة للحرب في أوكرانيا، ستعطي ضوءاً أخضر محتملاً للصين، التي ستستنتج أن التحالف الغربي بات هشاً وغير قادر على مواجهة روسيا فكيف به في مواجهة الصين وروسيا معاً، مما قد يشجع بكين على اتخاذ إجراءات أكثر جرأة تجاه تايوان لإعادتها إلى الوطن الأم، وفق مبدأ الصين الواحدة.
  4. تراجع مكانة الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تتضرر مصداقية الولايات المتحدة كقوة مهيمنة ومتحكمة بالنظام الأمني العالمي، خاصة في عيون حلفائها الأوروبيين والآسيويين، الذين قد يبدأون بالبحث عن خيارات أمنية بديلة، أو تقارب مع روسيا والصين.
  5. توسع دائرة نفوذ روسيا التي ستصبح أقرب جغرافياً إلى قلب أوروبا. فالدول المتاخمة لروسيا (خاصة دول البلطيق وبولندا) ستشعر بأن وجودها بات مهدداً، على الرغم من موسكو لم يصدر عنها ما يشير إلى ذلك، مما يدفع الدول المذكورة إلى زيادة هائلة في الإنفاق العسكري الأوروبي.
  6. نشوب أزمة الثقة في حلف الناتو، مصدرها التساؤلات الجدية التي ستثار حول المادة الخامسة من معاهدة الناتو (الدفاع المشترك)، بشأن الفشل في حماية شريك أساسي مثل أوكرانيا، الأمر الذي سيضعف الثقة في قدرة الحلف على الدفاع عن أعضائه.
  7. الاستنزاف الاقتصادي لأوروبا، حيث ستجبر الأخيرة على تحمل العبء الأكبر من المساعدات الإنسانية وإعادة بناء أوكرانيا الممزقة (التي قد تظل جزئياً في منطقة نفوذ روسي)، بالإضافة إلى تحمل تكلفة زيادة إنفاقها الدفاعي.. بعد ان تحملت عبء تمويل وتزويد أوكرانيا بالسلاح الذخيرة خلال سنوات الحرب مما فاقم أزمات الدول الغربية المالية والاقتصادية والاجتماعية.
  8. قد يؤدي الشعور بالهزيمة والخسائر الاقتصادية إلى تعزيز الحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة في أوروبا، والتي قد تدعو إلى خفض المساعدات، أو حتى الانسحاب من الناتو والتقارب مع موسكو، مما يزيد الانقسام الأوروبي الداخلي.

أما بالنسبة لأوكرانيا فإن تطبيق سيناريو الهزيمة والاستسلام، سيؤدي إلى خسارة أجزاء كبيرة من أراضيها، مما قد يقود إلى تغيير النظام في كييف وتشكيل حكومة حليفة لروسيا، ونزع سلاح الجيش الأوكراني وتقييد قدراته العسكرية (سيناريو "نزع السلاح والتحييد" الذي تطالب به روسيا). إضافة الى ذلك من المحتمل أن تعود أوكرانيا الى الحضن الروسي، او تتحوّل إلى دولة مفككة، او تنشب فيها صراعات على خلفية نتائج الحرب الكارثية مما يدخلها في حالة عدم استقرار لفترة طويلة.

باختصار، يرى الكاتب أن انتصار روسيا في أوكرانيا دون تعديلات جوهرية على شروط السلام التي وردت في مبادرة ترامب يعني فعلياً تفكيك النظام الأمني الأوروبي ما بعد الحرب الباردة، وإحياء حقبة "مناطق النفوذ" العسكرية، وتحدي مصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة، مما يوفر المزيد من الظروف التي تعزز السعي الروسي الصيني الى بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، بدعم كبير من معظم دول العالم التي تعاني من نظام الهيمنة الأميركي الأحادي القطب وتتوق الى وضع نهاية.

مشاركة المقال: