الخميس, 27 نوفمبر 2025 11:55 AM

الذكاء الاصطناعي في التعليم: هل يعيق التمويه تطور مهارات الطلاب؟

الذكاء الاصطناعي في التعليم: هل يعيق التمويه تطور مهارات الطلاب؟

تشهد البيئة التعليمية تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة للانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الطلاب اليومية. لم تعد هذه الأدوات مقتصرة على توليد الأفكار أو تلخيص المصادر، بل امتد استخدامها ليشمل صياغة الواجبات، واقتراح البحوث، وحتى محاولة محاكاة الأسلوب البشري في الكتابة.

مع ظهور أدوات مثل Humanize، المصممة لتحويل النصوص المنتجة آلياً إلى نصوص "شبيهة بالبشر"، تبرز أسئلة مهمة حول جدوى هذا التوجه وتأثيره على العملية التعليمية، كما ذكرت منى صوان.

تحديات الكشف عن الذكاء الاصطناعي

تقر منصات أكاديمية عالمية، من بينها Turnitin، بأن أنظمة كشف الذكاء الاصطناعي لا تزال تعاني من نسبة خطأ مرتفعة، مما قد يؤدي إلى اتهام نصوص بشرية بأنها مصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي. ينتج عن ذلك ثلاثة إشكالات رئيسية:

  • إمكانية ظلم الطالب عبر تقييم غير دقيق.
  • إرباك المعلم الذي يُطلب منه اتخاذ قرار بناءً على مؤشرات غير موثوقة.
  • تشويه العملية التعليمية نتيجة غياب معيار ثابت يمكن الاعتماد عليه.

ومع ذلك، فإن اعتماد بعض الطلاب على نصوص جاهزة من الذكاء الاصطناعي دون أي جهد شخصي يخلق أزمة موازية ذات آثار تربوية خطيرة، تؤثر في مهارات التفكير والكتابة لديهم.

لماذا يلجأ الطلاب إلى التمويه؟

يلجأ الطلاب إلى أدوات مثل Humanize لأسباب متشابكة، أبرزها:

  1. الخوف من الاتهام باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يخشى الطالب من الحصول على "صفر مفاجئ"، فيستسهل أدوات التمويه بدلاً من بناء مهاراته الحقيقية.
  2. ضغط الوقت وتفضيل الطريق المختصرة، إذ تمنح أدوات الذكاء الاصطناعي نصوصاً فورية، تجعل اللجوء إليها بديلاً سريعاً عن الجهد الذاتي.
  3. غياب التوعية بالحدود الأخلاقية للاستخدام. يجهل الكثير من الطلاب الفرق بين الاستخدام المسموح تربوياً وبين الغش الأكاديمي، فيظنون أن إعادة الصياغة ثم تمرير النص عبر أدوات التمويه حل مقبول، في حين أنه قد يعمّق المشكلات الأكاديمية والأخلاقية.

مخاطر التمويه المعرفي

حتى في حال نجح النص المموّه في تخفيض مؤشر الكشف، فإن الخطر الحقيقي يكمن في أن الطالب:

  • لا يتعلم فعلياً.
  • لا يطوّر مهارات بحث أو كتابة.
  • لا يمتلك رأياً أو أسلوباً يمكن الدفاع عنه.
  • لا يكتسب خبرة تراكمية تمكّنه أكاديمياً في المستقبل.

إن "تخفيف المؤشر" هدف تقني محدود، بينما الكتابة عملية معرفية وجمالية لا يمكن اختزالها في تجاوز خوارزمية. فالطالب الذي يتقن أدوات التمويه فقط لا يصبح كاتباً أفضل، بل مستخدماً أكثر مهارة في الالتفاف على الأنظمة.

نحو استخدام أخلاقي للذكاء الاصطناعي

لا يكمن الحل في الهروب من أنظمة الكشف، بل في إعادة بناء تصوّر تربوي واضح لكيفية استخدام هذه الأدوات. ويبدأ ذلك من المدرسة والجامعة عبر تعليم الطلاب توظيف الذكاء الاصطناعي كمستشار يساعد في:

  • توليد الأفكار.
  • تحليل المواضيع.
  • فهم المفاهيم الصعبة.
  • تقديم أمثلة توضيحية.
  • تنظيم خطة الكتابة.

أما الكتابة النهائية، فيجب أن تعكس صوت الطالب ووجهة نظره وتجربته الشخصية وقدرته على تحليل المعلومات وربطها بخبراته. فهذا وحده ما يجعل النص "بشرياً" بمعناه الحقيقي، وليس مجرد نصّ معدّل ليتجاوز خوارزمية كشف.

إن التحدي الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي ليس مواجهة التقنية، بل فهم كيفية استخدامها بوعي ومسؤولية. وعلى الأسرة والمدرسة والجامعة الانتقال من ثقافة الخوف من الكشف إلى ثقافة الاستخدام الأخلاقي، بحيث يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة تعلّم، لا وسيلة للاختباء.

قد تنجح أدوات مثل Humanize في خداع الخوارزميات، لكنها تعجز عن بناء طالب مفكّر يمتلك مهارات تحليل وابتكار. أمّا التعليم الجيد، فهو الذي يتيح للطالب أن يستخدم التكنولوجيا بثقة ووعي، لا أن يخشاها أو يختبئ خلفها.

منى صوان - باحثة ومتخصّصة في القيادة التربوية والذكاء الاصطناعي في التعليم.

مشاركة المقال: