الجمعة, 28 نوفمبر 2025 01:07 AM

مصطفى عكرمة: الشاعر الذي استلهم إبداعه من الريف والقيم يفتح قلبه لتجربته الأدبية

مصطفى عكرمة: الشاعر الذي استلهم إبداعه من الريف والقيم يفتح قلبه لتجربته الأدبية

دمشق-سانا: يستعيد الشاعر مصطفى عكرمة، من أعماق تجربته الأدبية والإنسانية الغنية، محطات بارزة في مسيرته. يعتبر عكرمة الشعر قيمة سامية قبل أن يكون مجرد صناعة، ورسالة نبيلة قبل أن يكون مجرد شكل لغوي.

في حواره مع وكالة سانا، يفتح عكرمة صفحات من ذكريات طفولته، تجاربه الثرية، علاقته بالمؤسسات الثقافية، ورؤيته النقدية للمشهد الشعري العربي، مسلطاً الضوء على تأثير الريف، القيم النبيلة، ودفء الإيمان في تكوين وعيه وإبداعه.

قبول عضويته في اتحاد الكتاب

بدأ الحوار مع الشاعر مصطفى عكرمة بالحديث عن قرار اتحاد الكتاب العرب الأخير بإعادة عضويته بعد فصله في عهد النظام البائد، حيث عبر عن تقديره لهذه الخطوة الشجاعة والجادة. واسترجع عكرمة ذكريات عضويته السابقة، مشيراً إلى أنه تقدم بطلب كامل ومستوف للشروط، وتم قبوله بعد فترة انتظار طويلة. وأشار إلى أنه كان عضواً في اتحاد كتاب مصر قبل انضمامه إلى اتحاد الكتاب العرب، بالإضافة إلى عضويته الفاعلة في رابطة الأدب الإسلامي العالمية لأكثر من عشرين عاماً.

البدايات… الريف الجميل وولادة الحس الشعري

بالعودة إلى طفولته الريفية، أكد عكرمة على الأثر العميق لتلك البيئة النقية في لغته وصورة شعره. وعلى الرغم من عدم وجود خلفية أدبية في أسرته، إلا أنه يتذكر بإعجاب تفاعل والده مع الشعر في سيرة عنترة وغيرها من المرويات. ويرى عكرمة أن صفاء الطبيعة وتناسق المحيط الريفي شكّلا حسه اللغوي وميله إلى "صفاء الديباجة وحسن السبك". وأوضح أنه لم يدرس الشعر أكاديمياً ولم يتتلمذ على أي مدرسة، بل جاءت تجربته من "الشعور والحياة وصدق التعامل".

تجارب التأثر وأهمية القيم في الشعر

لا يربط عكرمة نفسه بتأثر مباشر بشاعر معين، لكنه يعترف بتأثره بقصائد كبار الشعراء قدامى ومحدثين، مثل: أحمد شوقي، بدوي الجبل، عمر أبو ريشة، أبو العتاهية، جرير، الخطيب، ومجنون ليلى. كما تأثر بنصوص سيد قطب وبالأناشيد المدرسية التي تعلمها في الابتدائية لشعراء مثل الطرابي وسلطان، ويعتبر كتاب "الرائد" الذي دُرّس في الإعدادية "كنزاً من كنوز الأدب". ويؤكد عكرمة أن الريف العربي غرس فيه قيماً لا تزال حية في حياته وكتاباته: حب الإسلام، الرجولة، الجدّ، والحياء، ويقول: "إن هذه القيم بقيت ثابتة ولم تتبدل رغم تقلبات الحياة". ويشير عكرمة إلى أن القيم هي بوصلته في الحياة والكتابة، ويكرر عبارته المحببة: "الشعر يأتيني قبل أن أكتبه"، وهو ما يزال يكررها في كل لقاءاته داخل سوريا وخارجها.

شعر الأطفال… حنين الأب وصوت القيم

اتجه عكرمة إلى شعر الأطفال بدافع شعوره بضرورة تقديم شعر يعبّر عن الحياة والتراث والعقيدة. كونه أباً لستة أطفال وهو في الثلاثين من عمره، عزّز ذلك ميله لكتابة هذا اللون، ويذكر بفخر وصول بعض قصائده مبكراً إلى فريق عمل برنامج "افتح يا سمسم"، الأمر الذي دعم حضوره في هذا المجال.

الشعر المعاصر… بين الأصوات الحرة والرؤية الناقدة

لا يعتبر عكرمة نفسه متابعاً جيداً لحركة الشعر المعاصر، ويرى أن كثيراً منه تأثر بتدخل النظام البائد في المشهد الثقافي، منقاداً لأجواء الفساد لولا بعض الأصوات الحرة. ويرى أن اندلاع الثورة السورية أدى إلى فرز عدد كبير من الشعراء الذين شكلوا البديل الأصيل والصوت الحر بعد حقبة من الظلم والقهر، معرباً عن تفاؤله بأن يواصل اتحاد الكتاب والمبادرات الشبابية دورهما في رعاية الكتاب الأحرار.

المشهد الثقافي… رهن البيئة والدعم

يرى عكرمة أن ازدهار الثقافة مشروط بتوفر بيئة داعمة ورعاية حقيقية، وأن المرحلة الحالية بالغة الخطورة، ما يستدعي قدراً أعلى من الصدق والإخلاص والاتزان بعيداً عن الإفراط والتفريط. يعدّ عكرمة أهم محطات حياته لحظة إدراكه ضرورة حضور قوى الحق في القصيدة حتى تؤدي الدور المطلوب منها، ويستشهد بحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع"، واعتبر أن العلم الذي لا يتسلح بالقيم هو أسوأ أنواع العلم، فيما يبقى إعداد الشعر بالصدق والإخلاص أساس قيمته.

تكريمات وجوائز

يقول عكرمة: "إن الجوائز التي حصل عليها تجاوزت ربع المئة"، وقد وصلته من جهات بعيدة وقريبة، ويحتفظ بها جميعاً، ويكشف أنه كتب عن غزة أكثر من خمسين قصيدة تنتظر النشر، "وفاءً لهذا الصوت الذي لا يهتز".

نصيحة للجيل الجديد

يختتم الشاعر حديثه بالتأكيد على أن الإخلاص في القول والعمل هو مفتاح النجاح، داعياً إلى وضع الكلمة في مكانها اللائق، ويقول: "نعيش أصعب مرحلة من مراحل التصحيح والبناء"، موجهاً تحيته لكل من يعمل "بصدق وإخلاص لإنسانية الإنسان وحريته".

سيرة ذاتية

مصطفى محمد عدنان عكرمة من مواليد 1943 – قرية بابنا، شمال شرقي الحفة، محافظة اللاذقية، نشأ في بيئة ريفية شكّلت قيمه وميله الفطري إلى الشعر بدأ الكتابة في سن مبكرة دون دراسة أكاديمية، متأثراً بالطبيعة وبأمهات الشعر العربي قديمة وحديثة. عمل سنوات في التلفزيون السوري وشارك بفعالية في برامج الأطفال، حيث كتب نصوصاً وأغاني وصلت إلى برنامج "افتح يا سمسم"، وأصدر عدداً من الدواوين والكتب في الشعر الإسلامي والوطني وشعر الأطفال، ونال جوائز عربية عديدة. يحمل عضوية اتحاد الكتاب العرب ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، ويتميز شعره بالصدق الوجداني والالتزام القيمي، ورؤية تعتبر الشعر علماً وقيمة قبل أن يكون صنعة لفظية.

مشاركة المقال: