الجمعة, 28 نوفمبر 2025 02:37 PM

الشيخة بدور القاسمي لـ"النهار": الشارقة نموذج عالمي في صون الثقافة وتمكين الإنسان

الشيخة بدور القاسمي لـ"النهار": الشارقة نموذج عالمي في صون الثقافة وتمكين الإنسان

ليست العبرة في تقييم الشخصيات بعدد المناصب أو الإنجازات، بل في تأثيرها العميق على فهمنا للإنسانية. فالشخصيات المؤثرة تخترق مجالات الثقافة بقوة هادئة لا يمكن تجاهلها. والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، بصوتها المتميز، تجسد هذا الدور كامرأة حكيمة، صنعت بصمتها من تاريخ الشارقة ورؤيتها العالمية.

هي رائدة في العمل الخيري والإنساني، كاتبة وناشرة، ووريثة لمدرسة فكرية أسسها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حيث نشأت لديها فكرة الالتزام الثقافي كرسالة. تحمل الشيخة بدور شهادات عليا من جامعتي كامبريدج ولندن، وتتبوأ مناصب قيادية في صون التراث الثقافي والفنون، فهي رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، ورئيسة مجلس إدارة “هيئة الشارقة للكتاب”.

في هذا الحوار مع "النهار"، نستكشف رؤيتها في إعادة تعريف دور الثقافة في المنطقة، وكيف جعلت من الشارقة والإمارات العربية المتحدة نموذجاً دولياً، وكيف تحمل إرث الوالد الحاكم إلى آفاق جديدة.

المحور الأول: البدايات والرؤية

• تجربتكم جمعت بين الثقافة والقيادة والعمل الإنساني؛ ما اللحظة التي شكلت هذه الرؤية؟

– نشأتي في الشارقة، تحت رعاية والدي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، كانت الأساس في إدراكي المبكر لأهمية الالتزام الثقافي والإنساني. لم تكن هناك لحظة فاصلة واحدة، بل تراكم للخبرات والقيم. فالثقافة والتنمية كانتا جزءاً من حياتنا اليومية، وتجسدتا في المؤسسات والسياسات التي تخدم الإنسان. هذا الإدراك تحول إلى واقع ملموس عندما أسست “مجموعة كلمات” عام 2007، لجعل المعرفة وسيلة لبناء وعي الطفل العربي، بلغة معاصرة تعزز الهوية والقيم.

البداية بالنشر كانت مجرد خطوة أولى، وسرعان ما اتسعت الرؤية لتمكين صناع التغيير، انطلاقاً من الإيمان بأن الكتاب هو الاستثمار الأول في العقل، وأن ريادة الأعمال هي استثمار في القدرة على التأثير. لذلك، تأسس “مركز الشارقة لريادة الأعمال” (شراع) لربط المعرفة بالابتكار، والقيمة الثقافية بالجدوى الاقتصادية. وقد أثمرت هذه الرؤية في إطلاق مئات الشركات الناشئة، بقيادة نساء، مما يؤكد أن التمكين الثقافي يسبق التمكين الاقتصادي. واليوم، نفخر بأن نسبة الشركات التي تقودها نساء في “شراع” تبلغ 51 في المئة، وهي نسبة تتجاوز المعدلات العالمية.

• بالنظر إلى رحلتكم، ما هي الفكرة الأولى التي تخطر ببالكم؟

– الفكرة الأولى هي أننا لا نزال في البدايات، فالرؤية أعمق من أن تختصر في إنجاز. المشروع الثقافي في الشارقة هو مشروع أجيال، يتطلب تراكماً واعياً. ما تحقق هو ثمرة رؤية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي جعل الثقافة أساساً للتنمية، والتعليم والمعرفة أساساً للاستثمار، واقتصاد المعرفة أولوية. هذه الرؤية جعلت الشارقة جسراً حضارياً يربط القيم بالحداثة، ويمنح الثقافة العربية صوتاً عالمياً.

مسؤوليتنا اليوم هي تحويل هذا الإرث إلى إنجاز عالمي مستدام، كما نرى في توسع الحضور الثقافي العربي عالمياً، مثل افتتاح “المعهد الثقافي العربي” في ميلان، و”مركز الدراسات العربية” في جامعة كويمبرا بالبرتغال، تحت إشراف “هيئة الشارقة للكتاب”. وهذا يشمل أيضاً صون الذاكرة الإنسانية، كتسجيل موقع “الفاية” الأثري على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

• في عالم مليء بالتحديات، ما الذي يدفعكم للإيمان بقوة الثقافة والمعرفة؟

– الثقافة ليست ترفاً، بل هي البنية التحتية للقوة والاستدامة والكرامة الإنسانية، خاصة في زمن المتغيرات المتسارعة. الإنسان ليس آلة، بل كائن يتغذى على المعنى، ويبحث عن الجمال، ويقاوم التحديات بالخيال. التكنولوجيا توفر الأدوات، لكن الثقافة تشرح لماذا يجب أن نحقق هذا العمل. الثقافة تمنح الإنسان القدرة على أن يسمو، وأن يعيد تعريف نفسه في كل أزمة.

في الشارقة، نحرص على أن تكون الثقافة جزءاً أساسياً في التنمية، فنربطها بالتعليم المتقدم كما في الجامعة الأميركية بالشارقة، وريادة الأعمال كما في مركز “شراع”، لنضمن أن يكون التقدم التقني نابعاً من وعي قيمي عميق.

المحور الثاني: الريادة والقيادة

• كيف توازنون بين الفكر الثقافي والعمل القيادي؟

– أرى الأمر كاندماج بين بعدين متكاملين: الفكر الثقافي والعمل القيادي. فالثقافة هي البوصلة التي تمنح القرار الاتجاه والمعنى، وتضمن أن تبقى الكرامة الإنسانية في صميم السياسات. لذلك، عملي في المجالات القيادية هو امتداد للثقافة.

• كيف تعرفون القيادة بمعناها الأعمق؟

– القيادة هي أمانة ومسؤولية، وليست امتيازاً أو سلطة. القيادة تهدف إلى الخدمة والتمكين، وهي مستوحاة من تراثنا العربي والإسلامي، حيث يُعرَّف القائد بأنه راعٍ ومسؤول عن رعيته.

• هل ترون أنّ القيادة النسائية لها مقاربة مختلفة؟

– القيادة الناجحة لا تعرف جنساً، لكن القيادة النسائية أثبتت قدرتها على إضافة قيمة حقيقية، وترتكز على عمق الخبرة الحياتية للمرأة ودورها في تكوين المجتمع، وتظهر في التركيز على بناء شبكات التعاون، وتعميق البعد الإنساني، والرؤية الاستراتيجية التي تركز على الاستدامة.

المحور الثالث: دور الشارقة في الثقافة والعلم

• كيف تحافظون على زخم الشارقة كعاصمة للثقافة العربية؟

– السر يكمن في تحويل الفعاليات إلى بنية تحتية حية، قائمة على منظومة متكاملة من السياسات والمؤسسات. نحن نتعامل مع الثقافة كمشروع تنموي مستدام، ونركز على تحويل الشغف بالمعرفة إلى اقتصاد مستدام، وترسيخ الثقافة كجزء من الحياة اليومية.

• كيف يمكن للثقافة أن تكون قوة ديبلوماسية مؤثرة؟

– الثقافة هي المساحة الوحيدة التي تسمح بتلاقي الأرواح والعقول، وتقوم استراتيجيتنا على تحويل هذه المساحات الوجدانية إلى بنية عمل ديبلوماسي متكاملة عبر الأدب والفنون.

• ما الدور الذي يمكن أن تؤدّيه الشارقة في إعادة تعريف العلاقة بين التراث والحداثة؟

– نؤمن بأن الحداثة لا تعني القطيعة التامة مع التراث، بل تعني ممارسة مزدوجة تجمع بين جذورنا وطموحنا، ونتخذ خطوات عملية تجعل من التراث قوة دافعة للتنمية المعاصرة.

• هل نجحتم في إبراز الشارقة بوصفها “علامة ثقافية” على المستوى العالمي؟

– لقد أصبحت الشارقة حالة ثقافية فريدة، ونموذجاً لمدينة تبنى نهضتها على أساس متين من المعرفة والهوية، وهذا مكّنها من إبراز نفسها كـ”علامة ثقافية” ذات ثقل عالمي.

• كيف تنظرون إلى مستقبل صناعة النشر في العالم العربي في ظلّ التحولات الرقمية؟

– صناعة النشر العربية تقف اليوم عند مفترق طريق حقيقي، ومستقبل النشر يتوقف على قدرة القطاع على التحول الجذري، واحتضان الابتكار، والانتقال من استهلاك المعرفة إلى إنتاجها، وترسيخ منظومة نشر عادلة ومحفّزة.

المحور الرابع: المرأة والإنسانية

• ما الذي ما زال ناقصاً في رحلة المرأة العربية اليوم؟

– التحدّي اليوم لا يكمن في الوصول، بل في العمق؛ لا في العدد، بل في الأثر. ما نحتاج إليه الآن هو بناء تحالفات مهنية، والتركيز على تمكين المرأة في القطاعات العلمية المتقدمة، وترسيخ مفهوم “القيادة الريادية المستدامة”.

• ماذا تقولون للمرأة التي ترى أنّ الحواجز الاجتماعية والثقافية ما زالت أكبر من طموحاتها؟

– كوني مستعدة، فالطموح الحقيقي يُقاس بما نصرّ على تحقيقه رغم الصعوبات. المجتمعات تتطور بخطوات فردية جريئة، والمرأة التي تنهض رغم التحديات تعبّد الطريق لغيرها أيضاً.

المحور الخامس: الحكمة وفهم الحياة

• ما هي القيم التي ترون أنّ العالم بحاجة ماسة للعودة إليها؟

– العالم في حاجة ماسة للعودة إلى قيمة محورية واحدة: الثقافة كركيزة إنسانية حية، لا كترف أو نشاط نخبوي.

• هل تؤمنون بأنّ العولمة تقرّب الشعوب فعلاً؟

– العولمة قرّبت بين الشعوب، لكن إذا لم يكن لدينا وعي ثقافي راسخ، فإنها قد تتحوّل إلى قالب استهلاكي مفرغ من المعنى.

• ما هو تعريفكم الشخصي للنجاح؟

– النجاح هو حركة دائمة نحو رؤية واضحة بنية صادقة لخدمة المجتمع.

• أين تجدون مساحتكم الخاصة للتأمّل والإلهام؟

– في القراءة، وقضاء وقت مع العائلة، وفي صحراء مليحة.

• إذا أُتيح لكم أن تتركوا وصية فكرية، ماذا ستكون؟

– ازرع أثراً لا يُقاس بزمنك، بل يُقاس بما يوقظه من وعي في الآخرين.

أخبار سوريا الوطن-وكالات-النهار

مشاركة المقال: