استضاف بيت فارحي في دمشق القديمة أمسية ثقافية مميزة، نظمتها مبادرة أرشيف الأشرطة السورية، بهدف إحياء الذاكرة الصوتية في سوريا وتقديم قراءة معاصرة لدور الأرشيف بعد سقوط النظام البائد.
وشهدت الندوة، التي شارك فيها يامن المقداد وسناء يازجي وإدارة زين خزام، نقاشات معمقة حول التحديات الأخلاقية والقانونية المتعلقة بحفظ الأرشيف، وأهميته في تمثيل الهوية السورية الجديدة، مع التركيز على ضرورة التعامل الواعي والمسؤول مع الذاكرة الجماعية.
وفي تصريح لوكالة سانا، أكد الباحث يامن المقداد أن هذه الأمسية تأتي في إطار الجهود المتواصلة لإعادة ربط السوريين بذاكرتهم الصوتية التي عانت من التهميش والإهمال لعقود. وأشار إلى أن المشروع يتجاوز مجرد جمع الأشرطة وتسجيلها رقمياً، ليشمل فهم السياقات الاجتماعية والسياسية التي نشأت فيها هذه الأصوات، مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات تجاه الأخلاقيات والملكية الفكرية والتمثيل الأمين والحساس للذاكرة الجماعية.
من جانبها، قدمت سناء يازجي من مشروع "ذاكرة إبداعية" رؤية مغايرة للإنكار الذي ساد خلال سنوات الثورة، مؤكدة أن توثيق الفن في لحظات الخوف هو "فعل وجودي يواجه محاولات المحو". وأوضحت أن توثيق التاريخ يساهم في ترسيخ المصالحة وإحياء عناصر الهوية التي طمستها سيطرة الأجهزة الأمنية في عهد النظام البائد، ويعمل على معالجة الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته ممارساتها القمعية.
تلا الندوة عرض فيلم "سلمية يا ستّ البلاد" (2025) للمخرجين عمر ملص، زينة شهلا، ويامن المقداد، والذي قدم صورة سينمائية حية للتراث الصوتي لمنطقة سلمية، بالاعتماد على تسجيلات نادرة ومقابلات تستعيد ذاكرة المكان وتعيد قراءتها بمنأى عن الأيديولوجيا.
واختتمت الأمسية بعروض موسيقية حية قدمها كل من: غسان قدّور، جهاد شتيّان، علي جمّول، عبدالكريم طارق علي، رغدة رحمة، وناقد رحمة، حيث استعاد الفنانون روح أغاني الكاسيت الشعبية التي شكلت جزءاً من الوجدان السوري لعقود.
يذكر أن أرشيف الشرائط السورية هو مبادرة توثيقية تهدف إلى حفظ تراث الكاسيت في سوريا، بقيادة المؤسسين مارك جرجس ويامن المقداد، وبمشاركة رند عانا في الرقمنة والأرشفة، وعمار منلا حسن في الكتابة والبحث، وذلك لحماية الذاكرة الصوتية المهددة بالاندثار.