الإثنين, 1 ديسمبر 2025 04:59 PM

البابا في السينما: علاقة معقدة بين السلطة والإيمان تجذب الفن السابع

البابا في السينما: علاقة معقدة بين السلطة والإيمان تجذب الفن السابع

كان يوحنا بولس الثاني (1920 – 2005)، البابا الشغوف بالفن والمسرح، عضواً في شبابه في مسرح سري يُدعى «مسرح رابسوديك» خلال الاحتلال النازي لبولندا. كتب ثلاث مسرحيات، تحولت اثنتان منها إلى أفلام هما: «متجر المجوهرات» (1988) و«أخونا في الله» (1997).

البابا فرنسيس (1936 – 2025)، المحبوب في السينما والتلفزيون، كان من أشد المعجبين بالسينما، مؤمناً بقدرتها على «إيقاظ الدهشة». فيلمه المفضل هو «الطريق» (1954) لفيدريكو فيلليني. بشخصيته الحقيقية، كان أول بابا للكنيسة الكاثوليكية يمثل في فيلم روائي طويل بعنوان «ما وراء الشمس» (2017). كما ظهر في وثائقيين مهمين: «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته» (2018) لفيم فندرز، و«في رحلة» (2022) لجيافرانكو روسّي.

لاون الثالث عشر هو أول بابا يُصور في فيلم عام 1896، وخليفته بيوس العاشر عام 1907. بيوس العاشر رفض الأفلام ومنع عرضها في الكنائس عام 1909. وأصدر بيوس الحادي عشر وبيوس الثاني عشر منشورات حول مسؤوليات صانعي الأفلام، كان لها أثر في هوليوود عبر «الفيلق الكاثوليكي للآداب».

مع مرور الزمن، تغيرت نظرة الكنيسة للسينما. في لقاء حديث في الفاتيكان، حث البابا لاون الرابع عشر الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو على أن يكونوا «شهوداً للأمل والجمال والحقيقة». وأكد أن السينما هي «ملتقى الرغبات والذكريات والأسئلة» و«القلب النابض لمجتمعاتنا»، وحثهم على عدم الخوف من مواجهة العالم لأن «السينما الجيدة لا تستغل الألم، بل تعترف به وتستكشفه».

صورة البابا، بصفته رأس الكنيسة الكاثوليكية وزعيماً روحياً لملايين المؤمنين، مادة خصبة للسينما. هو ليس مجرد شخصية دينية، بل رمز تتقاطع فيه السلطة الدينية والأخلاقية والسياسية والرمزية. وقد أعادت الأفلام رسم ملامحه من زوايا متباينة: مرة كقائد سياسي، ومرة كشاهد على التاريخ، وأحياناً كإنسان هش يواجه ضعفه.

من هنا تبرز أهمية تتبع كيف صورت السينما الباباوات، سواء التاريخيين أو المتخيلين أو الرمزيين، فهو شخصية تُعد واحدة من أكثر الشخصيات شهرةً في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن عقيدة المخرج أو القارئ أو المشاهد أو خلفيته الروحية.

في فيلم «الألم والنشوة» (1965)، يستكشف كارول ريد حياة مايكل أنجلو بوناروتي خلال الفترة التي كان يرسم فيها داخل كنيسة «سيستينا»، وهي أكبر كنيسة في القصر الباباوي. الفيلم يصوّر تصادم بين مايكل أنجلو والبابا يوليوس الثاني (ريكس هاريسون) المعروف باسم «البابا المحارب».

فيلم «بابا جوان» (1972) يثير الفضول حول امرأة في القرن التاسع تتنكر كرجل لتجلس على الكرسي البابوي. يختار المخرج مايكل أندرسون أن يعيد سرد هذه الحكاية المثيرة بوجود ليف أولمان وفرانكو نيرو.

قبل «بابا جوان»، قدم أندرسون فيلم «أحذية الصيّاد» (1968) ويروي قصة رئيس أساقفة أوكراني متواضع ومؤمن، هو كيرل لاكوتا (أنتوني كوين)، الذي يُطلق سراحه من سجن سيبيري. عندما يموت البابا، يروّج مقربون من لاكوتا للبابوية. عندما يُنتخب لاكوتا بابا جديداً، يقدّم خطة مبتكرةً لإنفاق ثروة الكنيسة الطائلة لمنع حرب نووية ووقف المجاعة في الصين الحمراء.

في فيلم «لدينا بابا» (2011)، يقدّم نانّي موريتّي بابا جديداً (ميشال بيكولي) يعجز عن اتخاذ الخطوة المصيرية. يتجول البابا في شوارع روما، ليجد نفسه وسط فرقة مسرحية تستعد لتقديم «النورس» لتشيخوف، وهناك يستعيد شغفه القديم بالكوميديا.

قبل ست سنوات، فاجأ البابا بنديكتوس السادس عشر الفاتيكان والعالم بقرار الاستقالة. أعقبت ذلك انتخاب خورخي ماريو بيرغوليو، الذي عُرف لاحقاً باسم البابا فرنسيس. شخصيتان متباينتان تماماً، ألهمتا فيلم «الباباوان» (2019) لفرناندو ميريليس. يستكشف الفيلم تعايش بابا متقاعد مع آخر حاكم، في علاقة آسرة تتأرجح بين التوتر والبحث عن التفاهم.

في عام 2016، حوّل روبرت هاريس طقوس المجمع البابوي إلى مادة روائية مشوقة في كتابه «المجمع»، الذي أعاد صياغة العملية الانتخابية كإثارة متوترة ومليئة بالمؤامرات. نقل المخرج إدوارد بيرغر هذه الرواية إلى الشاشة الكبيرة.

في مسلسل «البابا الشاب» (2016)، يتتبع باولو سورينتينو مسيرة ليني بيلاردو (جود لو)، الكاردينال الأميركي الذي يصبح أول بابا من تلك الجنسية، وأصغرهم سناً في التاريخ الحديث.

لا يمكن النظر إلى حضور البابا في السينما كصورة بريئة أو محايدة. الأفلام التي تناولت الباباوات لم تكن مجرد سرديات عن رجال دين، بل كانت محاولات لإعادة صياغة السلطة الروحية في لغة بصرية، تكشف هشاشتها بقدر ما تكرّس رمزيتها. هكذا، يظل البابا في السينما شخصية مزدوجة: رمز عالمي لا يمكن تجاهله، وفي الوقت نفسه جسد هش يُعرّيه الفن.

مشاركة المقال: