الثلاثاء, 2 ديسمبر 2025 12:30 PM

مجلس التعاون الخليجي: كيف صمد التكتل العربي الأنجح على مدى 46 عامًا؟

مجلس التعاون الخليجي: كيف صمد التكتل العربي الأنجح على مدى 46 عامًا؟

يحتفل مجلس التعاون الخليجي بمرور 46 عامًا على تأسيسه، ومن المقرر أن تعقد قمته السادسة والأربعون يوم الأربعاء 3 كانون الأول/ديسمبر في البحرين. هذا يعني أن المجلس حافظ على استمراريته لأكثر من أربعة عقود، واستمر في عقد قممه بانتظام منذ تأسيسه خلال قمة أبوظبي الأولى في 25 أيار/ مايو 1981.

يشير د.عبدالخالق عبدالله إلى أن هذا الانتظام المؤسسي يمثل قيمة سياسية كبيرة، خاصة عند مقارنته بأداء جامعة الدول العربية، التي تأسست عام 1945، والتي عقدت 51 قمة عربية عادية وطارئة واقتصادية خلال ثمانين عامًا تقريبًا، لكنها لم تحقق الحد الأدنى من الاندماج العربي. فما السر وراء نجاح الخليجيين في تحقيق ما عجز عنه الآخرون؟

أول نجاح يُحسب لمجلس التعاون الخليجي هو حرص دوله على استمرار وانتظام عقد القمم السنوية، مما يؤكد أن المجلس مكسب خليجي رسمي وشعبي لا يمكن التفريط فيه، وأنه وُجد ليبقى ويستمر ويتطور بتأنٍ وواقعية وبرغماتية خليجية.

على الرغم من أن بناء البيت الخليجي ربما لم يكتمل بعد، ولم يحقق المجلس الحد الأقصى من الطموحات في التعاون والتنسيق الدفاعي والسياسي والاقتصادي، إلا أنه حقق الحد الأدنى من الاندماج الاقتصادي الخليجي، والذي تجسد في الاتحاد الجمركي الخليجي الذي دخل حيز التنفيذ عام 2003، وفي السوق الخليجية المشتركة التي أسست للمواطنة الاقتصادية الخليجية. في المقابل، لم تحقق الجامعة العربية حتى هذا الحد الأدنى من التعاون الاقتصادي.

كما تحقق الحد الأدنى من التنسيق الأمني والدفاعي الخليجي لمواجهة الظروف الإقليمية والمخاطر الأمنية المعقدة في الجوار الجغرافي. ومن أبرز معالم هذا التنسيق إقرار مبدأ أن أي اعتداء على دولة خليجية هو اعتداء على جميع دول المجلس، وذلك وفق اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 2000، والتي يجري اليوم تطويرها لتكون نواة لحلف دفاعي خليجي على نسق حلف “الناتو”. هذا هو البند الأول على قمة قادة دول الخليج العربي التي ستعقد هذا الأسبوع.

من يتابع جانب الاندماج القانوني والتشريعي الخليجي، يلحظ انعقاد اللجان الوزارية والفنية الخليجية على مدار السنة. فهناك نحو 30 لجنة وزارية خليجية تعقد اجتماعاتها بشكل دوري، ومئات اللجان الفنية المنبثقة منها، وبمعدل 200 اجتماع سنويًا. انبثقت من هذه الاجتماعات الوزارية واللجان الفنية آلاف من التشريعات والأنظمة والمواصفات الخليجية الموحدة في مختلف مجالات الحياة، وحققت مستوى متقدمًا من الاندماج التشريعي الخليجي. إن دول الخليج العربي باتت متشابكة ومتداخلة ومترابطة بروابط تشريعية كثيفة يصعب التراجع عنها.

كما تحقق لمجلس التعاون الحد الأدنى من التفاهم السياسي تجاه ملفات إقليمية ساخنة. فالتفاهم بين العواصم الخليجية في أفضل حالاته حاليًا، خصوصًا بين الثلاثي الخليجي، الإمارات والسعودية وقطر، التي تبدو ناشطة ديبلوماسياً والأقوى حضوراً عربياً. وقد ازداد هذا الحضور عالمياً خلال زيارة الرئيس الأميركي ترامب إلى الرياض والدوحة وأبوظبي. وقد تظهر اختلافات وخلافات في مواقف هذه الدول تجاه بعض الملفات الساخنة، إلا أن التفاهم السياسي بينها أعمق بكثير من الاختلافات المرحلية التي يتم احتواؤها سريعاً بالحوار.

أي مشروع اندماجي إقليمي يمر بفترات صعود وهبوط، وينطبق هذا الأمر على النموذج التعاوني الخليجي الذي مر بمحطات مفصلية، وعاش أزمات صعبة بين دوله، كان أبرزها الخلاف الخليجي عام 2017، الذي جرى تجاوزه رسمياً في يناير 2021 خلال قمة العلا في السعودية.

بالرغم من تحقيق الحد الأدنى من التعاون الخليجي، فإن أمام مجلس التعاون مهمة تحقيق الحد الأقصى المتمثل بالوحدة الخليجية وفق ما نص عليه النظام الأساسي. تقول المادة الرابعة من النظام الأساسي إن هدف مجلس التعاون هو “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها”. ولعل أول خطوة مطلوبة في سياق بلوغ الوحدة الخليجية هي تحويل المشروع التعاوني الخليجي إلى مشروع الاتحاد الخليجي على نسق الاتحاد الأوروبي، وهو هدف طال انتظاره.

هناك أيضاً ضرورة للعودة إلى مشروع العملة الخليجية الموحدة الذي تعثر لأسباب فنية وخلافات حول مقر البنك المركزي الخليجي. وقد حان وقت تجاوز هذه العراقيل الفنية، والاتفاق على موقع المقر الذي كان مقرراً أن يكون في أبوظبي.

لكن القرار الأهم في سياق الانتقال من مرحلة الحد الأدنى إلى الحد الأقصى في التنسيق الأمني والدفاعي، هو التوافق على بناء القبة الدفاعية الخليجية الفولاذية القادرة على صد أي هجوم جوي أو صاروخي غادر، مثل الهجومين الإسرائيلي والإيراني على قطر.

من حق المواطن الخليجي أن يفرح بما حققه مجلسه التعاوني حتى وإن تم بحده الأدنى، وهو ما لم تحققه دول المشرق أو المغرب العربي. فمع انعقاد القمة الخليجية في البحرين غداً، يحق لأكثر من ثلاثين مليون خليجي أن يسعدوا باستمرار مجلسهم لستة وأربعين عاماً، وأن يحتفلوا بما أرساه التعاون الخليجي من استقرار وازدهار لدولهم. ويحق لهم أيضاً أن يفتخروا بهويتهم الخليجية الجديدة، فهم مواطنون خليجيون بقدر ما هم كويتيون أو سعوديون أو بحرينيون أو قطريون أو إماراتيون أو عمانيون.

لكن من حق المواطن الخليجي أن يطالب قادته المجتمعين في المنامة بالإسراع في بناء القبة الدفاعية الخليجية، التي تحمي أوطانهم من أعداء السلام والاستقرار والازدهار الخليجي، وأن يكرروا طلبهم بأن الوقت حان لقيام كيان اتحادي خليجي ليكون نواة للوحدة الخليجية المنشودة. لقد حافظ الخليجيون بصفتهم العرب الجدد على مشروعهم التعاوني، وهذا إنجاز خليجي ملهم لكل العرب، ومن حقهم أن يحتفلوا بلحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر؛ فهذا هو عصر الخليج العربي الذهبي حيث أصبحت قيادة الأمة خليجية حتى إشعار آخر.

أخبار سوريا الوطن١-النهار

مشاركة المقال: