السبت, 6 ديسمبر 2025 06:24 PM

وزارة الرياضة السورية: بين وعود الإصلاح وتحديات الواقع

وزارة الرياضة السورية: بين وعود الإصلاح وتحديات الواقع

شهد القطاع الرياضي في سوريا تحولات كبيرة خلال عام 2025، كان أبرزها تأسيس وزارة الرياضة والشباب، خلفًا للاتحاد الرياضي العام الذي هيمن على هذا القطاع لخمسة عقود. خلال سنوات الثورة، ظل القطاع الرياضي يعاني من الهشاشة نتيجة الفوضى والفساد وغياب التخطيط. وعلى الرغم من الاتفاقيات والبيانات والطموحات، بقيت التحديات قائمة أمام تطوير الرياضة، حيث كان التغيير الشكلي أكبر من الإنجازات الفعلية.

إعادة رسم المشهد الرياضي

في 30 آذار 2025، أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عن إنشاء الوزارة لأول مرة في تاريخ البلاد، وكلف محمد سامح الحامض بمنصب الوزير. ومع تحويل الاتحاد إلى وزارة مستقلة وتخصيص ميزانية خاصة، بدأت البلاد مرحلة جديدة لإعادة تأهيل وتطوير المنشآت الرياضية، بعد سنوات من الإهمال وغياب معايير السلامة للاعبين والجماهير.

عملت وزارة الرياضة على إعادة تشكيل الاتحادات الرياضية ومديريات الرياضة في المحافظات، من خلال الانتخاب المباشر أو التزكية في الحالات التي استوفت الشروط. واعتبرت هذه العملية خطوة أولى لإعادة ترتيب الرياضة السورية، بعد سنوات من التعيينات المركزية والقرارات غير الشفافة. استأنفت الوزارة دوري كرة القدم للرجال، بالتنسيق مع اللجنة المؤقتة لاتحاد الكرة، الذي فاز به أهلي حلب. كما استكمل دوري كرة السلة، الذي فاز به نادي الوحدة للموسم الثالث على التوالي. وحرصت الوزارة على مشاركة جميع اتحادات الألعاب الفردية في المحافل الآسيوية والدولية. ومع تولي رامي عيسى رئاسة اتحاد كرة السلة، بدأ الاتحاد نشاطه ببطولة "درع وزارة الرياضة والشباب" التي فاز بها "حمص الفداء". وقبل تشكيل اتحاد كرة القدم برئاسة فراس تيت، أقيمت عدة بطولات ودية منها "بطولة سوريا المستقبل" و"بطولة حلب ست الكل".

اتفاقيات دولية وصيانة للمنشآت

عقدت وزارة الرياضة والشباب لقاءات عديدة وأبرمت اتفاقيات تهدف إلى تطوير الرياضة السورية، منها:

  • مذكرة تفاهم مع وزارة الرياضة التركية لتبادل الخبرات وتنفيذ مشاريع مشتركة.
  • شراكة استراتيجية مع "Inuksuit International" الفرنسية لتطوير الكوادر الرياضية.
  • مذكرة تفاهم مع مجموعة "Matchworld Group" لتعزيز الابتكار والتسويق الرياضي.
  • تشكيل لجنة سورية-قطرية لبحث ترميم وصيانة خمسة ملاعب وصالتين رياضيتين في المحافظات السورية.
  • لقاء مع السفير الأردني في دمشق، سفيان القضاة، لتعزيز التعاون وتبادل البعثات الرياضية.
  • لقاء مع وزير الرياضة الروسي، ميخائيل ديجتياريف، لتبادل الخبرات في البنية التحتية الرياضية والتدريب وتطوير الكوادر الفنية.
  • لقاء مع نائب رئيس بعثة سفارة كوريا الجنوبية في سوريا، جانغ شان لي، لتوسيع الشراكات الفنية والتقنية والاستفادة من التجربة الكورية في التدريب والتطوير.

ركزت معظم اللقاءات والاتفاقيات على صيانة البنية التحتية الرياضية في سوريا وتأهيل المنشآت المتضررة. باشرت مديرية المنشآت في الوزارة عملها وفق الخطة الموضوعة بالتنسيق مع الوزارة، وقامت بتأهيل ملعب "الفيحاء". وتسارعت عملية التأهيل بالتعاقد مع شركات متخصصة، وجرى العمل على صيانة الملعب البلدي في اللاذقية. وتعمل المديرية على صيانة صالة "الفيحاء" الرئيسة، استعدادًا لمشاركة سوريا في تصفيات كأس العالم لكرة السلة. وأجريت صيانة لصالة "صالح علواني" في حماة، وتستمر عملية تأهيل ملعب "خالد بن الوليد" في حمص، لتحسين المرافق وتجهيزات الجلوس.

ملفات فساد قديمة وأزمة منح دولية

قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الرياضة، مجد الحاج أحمد، لعنب بلدي، إن "فترة الاتحاد الرياضي العام السابقة شهدت فسادًا مستشريًا وعشوائية في الإدارة، وتركت سنوات من الإهمال والمنح المهدورة إرثًا مثقلًا بالديون والمشاريع المتوقفة". وأضاف أن "وزارة الرياضة ورثت تركة ثقيلة تتمثل بديون تقارب 55 مليار ليرة سورية". وأشار إلى أن الوزارة نجحت في إعادة تقييم بدل الاستثمار ورفع قيمته بما يتناسب مع المتطلبات الجديدة.

أكد رئيس اتحاد ألعاب القوى، محمد الضامن، في حديث إلى عنب بلدي، وجود منح مالية مفقودة في عهد الاتحاد الرياضي العام السابق. وأضاف أن الاتحاد طلب التحقيق وتحويل رئيس وأمين سر الاتحاد في عهد النظام إلى التفتيش، بسبب عدم تسليم الاتحاد بشكل رسمي، إضافة إلى وجود منح مالية مفقودة لعامي 2022 و2023، تسلمها أحد العاملين في اللجنة الأولمبية القطرية دون تدخل من الاتحاد الرياضي العام السابق.

اتُهم الضامن أيضًا باختلاس منحة 36 ألف دولار، لكنه خرج دون أن يُسأل أي سؤال، ودافع عن نفسه قائلًا إن هذه المنحة دولية ومخصصة لاتحاد ألعاب القوى، وليست أموال وزارة أو دولة وهو مخول بالإشراف عليها. وأوضح أن مهمة تسلّم المبلغ بقيت مقيدة لعدم وجود حساب بنكي للاتحاد، ولذلك تم تحويل المنحة من الاتحاد الدولي إلى الآسيوي وصولًا إلى قطر، وفي انتظار فتح حساب بنكي ليتم تحويلها إلى سوريا. وأفادت عنب بلدي أن الوزارة لن تصدر أي تصريح حول القضية، حتى استكمال الإجراءات بشكل كامل والوصول إلى النتائج النهائية.

الوزارة تحت المجهر

تثار تساؤلات حول قدرة الوزارة على تحويل الوعود إلى إنجازات ملموسة، وما إذا كانت الخطوات المتخذة تشكل بداية إصلاح حقيقي أم مجرد تغييرات شكلية. قال المحلل والباحث الأكاديمي في الشأن الرياضي، غيفارا الخطيب، لعنب بلدي، إن "الوزير يفتقر إلى الكفاءة العلمية والخبرة الإدارية، ويبدو متخبطًا في قراراته". وأضاف أن الوزارة لم يكن لها أي تأثير إيجابي على المشهد الرياضي، بل كان تأثيرها سلبيًا، مشيرًا إلى إقالة مدرب شاب تأهل إلى كأس آسيا للشباب وتعيين مدرب كبير بالسن لم يعمل منذ خمس سنوات وفشل. وأكد أن جميع قرارات الوزارة مبنية على الإقالات والتعيينات بشكل فوضوي وعشوائي، دون وجود أي دراسة أو تخطيط.

تواصلت عنب بلدي مع عدد من المدربين الوطنيين لأخذ آرائهم، إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الرياضة والشباب، مجد الحاج أحمد، إن "من الطبيعي أن تكون هناك انتقادات، إذ لا يوجد عمل خالٍ من الأخطاء بنسبة 100%، ولكن يجب أن تكون الانتقادات مستندة إلى المنهجية والمنطق والعلمية". وأشار إلى أن الوزارة تعاني من اتهامات لا تستند إلى دليل أو برهان. ويرى الصحفي الرياضي هاني عنطوز، أن الوزارة تتمتع برؤية طموحة وخطة استراتيجية واضحة المعالم، إلا أن نجاحها مرتبط بقدرتها على تجاوز التحديات الهيكلية الموروثة من الاتحاد السابق.

استطلعت عنب بلدي رأي الشارع السوري لتقييم أداء الوزارة، وكان التقييم متفاوتًا. قال أحمد عثمان، من المهتمين بالرياضة، إن الوزارة تبذل جهدها لإعادة الألق إلى الرياضة السورية، وطالب بدعم الأندية الرياضية لتسديد الديون المتراكمة عليها. ويرى محمد حسين، أن الوزارة لم تقدم أي شيء للرياضة حتى هذه اللحظة، معتبرًا الموسم الجديد هو الفيصل. في النهاية، تبدو الصورة مزدوجة بين آمال عريضة وواقع مثقل بالتركات القديمة والتحديات البنيوية. وبين الرواية الرسمية ورأي شعبي وإعلامي يشكك في قدرة الوزارة على إحداث التغيير، يبقى الملف الرياضي السوري أمام تحدي تحويل الإصلاح إلى واقع يلمسه الجميع.

مشاركة المقال: