السبت, 6 ديسمبر 2025 08:28 PM

بوتين في الهند: شراكة استراتيجية متنامية نحو نظام دولي متعدد الأقطاب

بوتين في الهند: شراكة استراتيجية متنامية نحو نظام دولي متعدد الأقطاب

علي السردي

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي وتصاعد حدة التوترات بين القوى الكبرى، تكتسب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند أهمية بالغة. تأتي هذه الزيارة في لحظة جيوسياسية حرجة، حيث يعاد تشكيل خرائط النفوذ وتتضح توجهات جديدة في هيكل العلاقات الدولية. تسعى الهند وروسيا، اللتان تربطهما علاقات تعاون استراتيجي طويلة الأمد، إلى توسيع نطاق شراكتهما لتتجاوز الإطار التقليدي، لتصبح بذلك قوة مؤثرة في صياغة توازن عالمي يعكس تعددية القوى ويعبر عن طبيعة المرحلة المقبلة.

تعتبر الزيارة منعطفاً هاماً في سياق دولي يزداد تعقيداً، حيث تتقاطع الأزمات الأمنية مع المواجهات الاقتصادية وتتسع رقعة التنافس بين الأقطاب الصاعدة. تبرز الهند، بما تملكه من ثقل سكاني واقتصاد سريع النمو وقدرات عسكرية متطورة، كقوة قادرة على إعادة توزيع موازين القوى في آسيا والعالم. ترى موسكو في تعزيز شراكتها مع نيودلهي خطوة استراتيجية تمكنها من توسيع خياراتها ومواجهة الضغوط الغربية المتزايدة. كما تمنح هذه الشراكة الطرفين مساحة أكبر للمناورة بعيداً عن الاستقطاب الحاد بين المعسكرات التقليدية.

في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، تبدو الهند شريكاً اقتصادياً وسياسياً لا غنى عنه لموسكو، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والابتكار الدفاعي. أثبتت نيودلهي، من خلال اتباعها سياسة خارجية متعددة المحاور، قدرتها على الحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف القوى العالمية دون الاعتماد على أي طرف، مما يجعلها نقطة ارتكاز أساسية في التحولات الجارية داخل النظام الدولي.

تكشف المباحثات بين بوتين والقيادة الهندية عن رغبة مشتركة في تحديث البنية الدفاعية للبلدين من خلال مشاريع تصنيع عسكري متقدمة وتطوير أنظمة مشتركة لتوطين التكنولوجيا الحيوية في القطاعات الاستراتيجية. لا يقتصر التعاون على المجال العسكري، بل يمتد إلى الصناعة والفضاء والطاقة، في إطار رؤية أوسع تهدف إلى بناء شراكة مستقرة قادرة على الصمود أمام الضغوط الدولية وإعادة هندسة التفاعلات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

بالنسبة لروسيا، لم يعد تعميق وجودها في جنوب آسيا خياراً تكتيكياً بل ركيزة أساسية في سياستها الخارجية، خاصة في ظل احتدام التنافس الأميركي–الصيني. تمنحها العلاقة المتينة مع الهند فرصة لإعادة تثبيت موقعها كفاعل رئيسي في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، ورسالة واضحة بأن موسكو لا تزال قادرة على بناء تحالفات مؤثرة رغم محاولات عزلها.

وختاماً، تتجاوز زيارة بوتين إلى الهند حدود المجاملة الدبلوماسية لتشكل خطوة عملية نحو إعادة صياغة العلاقات الدولية، إذ تؤسس لشراكة تستند إلى مصالح استراتيجية عميقة ورؤية مشتركة لنظام عالمي أكثر توازناً وتعدداً. مع اتساع التعاون بين موسكو ونيودلهي، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد بروز محور سياسي واقتصادي قادر على التأثير في مسار الأحداث العالمية، وفتح الباب أمام معادلة دولية جديدة لا تهيمن عليها قوة واحدة، بل تقوم على تفاعل مرن بين الأقطاب الصاعدة والقوى التقليدية في آن واحد.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: