أزمة سكن خانقة في تل تمر: نزوح متزايد وشلل عمراني بسبب خطوط التماس وارتفاع الإيجارات


تشهد بلدة تل تمر، الواقعة شمالي الحسكة، أزمة سكن غير مسبوقة، حيث يتزايد الطلب بشكل حاد على منازل الإيجار في ظل توقف شبه كامل لحركة البناء والتشييد منذ أكثر من خمس سنوات. هذا التوقف يعود بشكل أساسي إلى تحول البلدة إلى خط تماس مع القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها، وذلك بعد اجتياح مدينتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض أواخر عام 2019، وما تبعه من تعرض محيط البلدة للقصف بين فترة وأخرى.
ومع موجات النزوح الواسعة نحو تل تمر وريفها، ارتفع عدد السكان بشكل كبير، تزامنًا مع ارتفاع حاد في أسعار مواد البناء، مما أدى إلى شلل في عمليات التشييد وزيادة الضغط على الوحدات السكنية المتاحة.
ويعاني النازحون بشكل خاص من هذه الأزمة. الشاب علي عيسى، وهو نازح يعيش في تل تمر منذ سنوات، تحدث لـ "نورث برس" عن صعوبة الوضع، مشيراً إلى أنه يبحث منذ أكثر من سنة عن منزل للإيجار دون جدوى. ويقول عيسى: "قبل مدة استأجرت منزلاً بثلاثمئة دولار لمدة ثلاثة أشهر لشقيقي القادم من الخارج، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لذوي الدخل المحدود".
ويؤكد عيسى أن العثور على غرفة واحدة أصبح شبه مستحيل، حيث تضطر أربع عائلات للسكن في بيت واحد، مشيراً إلى غياب الحركة العمرانية لخمس سنوات، حيث لا تتوفر شقق ولا بيوت ولا حتى بيت عربي. ويضيف: "النازح يعاني أكثر من غيره وأنا حالياً أنام في المحل، وكثيرون مثلي". كما اضطر بعض السكان الذين يعملون في تل تمر إلى السكن في الحسكة، مما يكبدهم جزءاً كبيراً من رواتبهم كأجور للمواصلات بسبب غياب السكن.
من جانبه، يشير صخر سيدو، أحد سكان بلدة تل تمر، إلى أن أزمة السكن تضرب بالدرجة الأولى الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. ويقول سيدو لـ "نورث برس" بلهجته المحلية: "الناس تدور على آجار وما تلاقي. وإذا لقوا يبالغ أصحاب البيوت بالسعر، ابني منذ ستة أشهر ساكن بمنزل أشبه بخرابة، ولو حدثت فيه مشكلة صغيرة ينهار، لكن مجبورين ما في بديل". ويؤكد سيدو أن الكثافة السكانية باتت أكبر من قدرة البلدة على الاستيعاب، ما يدفع أكثر من عائلة للسكن في منزل واحد نتيجة النقص الحاد بالمساكن.
وقد شهدت أسعار الإيجارات في تل تمر ارتفاعاً ملحوظاً مؤخراً، حيث تجاوز بعضها 70 دولاراً شهرياً، بعد أن كانت لا تتجاوز 50 دولاراً قبل سنوات قليلة.
وفي السياق العقاري، يوضح عبد القادر محمد، وهو صاحب مكتب عقاري في تل تمر، أن الطلب على المنازل أصبح أكبر من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن توقف البناء بالكامل هو السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار. ويعزو محمد توقف البناء إلى الظروف الأمنية التي تعيشها المنطقة وارتفاع أسعار مواد البناء، مما أدى أيضاً إلى تراجع حركة العمل في المكاتب العقارية. ويقتصر ما يتم بناؤه حالياً على منازل ريفية بسيطة للاستخدام العائلي، دون وجود أي مجمعات أو مشاريع سكنية جديدة.
وعلى صعيد أوسع، تشير تقارير بحثية إلى أن الجمود العمراني في الحسكة وتل تمر ليس حالة معزولة، بل هو نتيجة مسار متراكم بدأ منذ سنوات، حيث عاد قطاع البناء للتراجع الحاد بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة العملة وارتفاع أسعار مواد البناء وأجور العمالة إلى مستويات غير محتملة لمعظم السكان.
وتؤكد التقارير أن قطاع البناء في سوريا عموماً هو من أكثر القطاعات تضرراً، حيث سجلت البلاد تراجعاً كبيراً في إصدار رخص البناء والوحدات السكنية الجديدة، في ظل غياب خطط إعادة إعمار شاملة وضعف تمويل قطاع الإيواء، مما جعل أزمة السكن تتفاقم ذاتياً: طلب متزايد يقابله عرض شبه متوقف. (تقرير دلسوز يوسف، تحرير معاذ الحمد).
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي