استراتيجية ترامب للأمن القومي: رؤية إمبريالية صريحة وتحدي التبعية العربية


يرى جاسم المحمد علي، في تحليله لوثيقة استراتيجية الأمن القومي الأخيرة التي صاغتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن النص السياسي المكوّن من 33 صفحة يعبّر بوضوح غير مسبوق عن إعادة إنتاج الرؤية الإمبريالية الكلاسيكية للولايات المتحدة في المنطقة. هذه الوثيقة لا تتردّد في وضع المصالح الحيوية لواشنطن في صدارة الأولويات، وتعمل على تثبيت منافعها الاقتصادية وموقعها الأحادي في النظام الدولي كمرتكزات ثابتة لسياستها الخارجية.
تُظهر الوثيقة، بقدر كبير من المكاشفة، أن واشنطن لا تعتبر التزاماتها تجاه حلفائها التزاماتٍ مبدئية، بل تُخضِعها دائماً لمنطق المنفعة المباشرة، وتؤكد عزمها على تحجيم أي قوة إقليمية أو دولية قد تسعى إلى منافستها أو الحد من نفوذها. وفي هذا السياق، تأتي أولوية حفظ أمن إسرائيل بوصفها عنصراً تأسيسياً لا يقبل التفاوض، ومن خلاله تتم إعادة صياغة دور المنطقة داخل التصور الأميركي الأشمل.
يطرح الكاتب تساؤلاً جوهرياً حول المقاربة الأميركية: هل تقارب واشنطن قضايا المنطقة من زاوية تثبيت الاستقرار، أم أنها تسعى، بوعي كامل، إلى إعادة إنتاج حالةٍ من التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية تضمن استمرار الارتهان العربي لها؟ كما يتساءل عن مشروعية اعتبار الولايات المتحدة بديلاً من دعم الشعوب لأنظمتها، وهي التي عملت على تحجيم الدور الشعبي وتفضيل أنظمةٍ هشّة متصارعة مع مجتمعاتها، بهدف تكريس حاجتها الدائمة إلى الغطاء الأميركي في إدارة الداخل وقمع التناقضات.
لم تشهد المنطقة العربية في العقود الأخيرة مرحلة تجاهر فيها الإدارة الأميركية بأبعاد مشروعها التسلطي كما نشهدها اليوم في استراتيجية ترامب. لكن المعضلة الحقيقية ليست في وضوح هذا المشروع، بل في استعداد النظام العربي الرسمي للتماهي معه، وتطويع خرائطه السياسية والاقتصادية والأمنية بما يتوافق مع الإرادة الغربية، رغم ما يحمله ذلك من انتهاك لسيادة الأمة وحق شعوبها في الحرية والكرامة.
ويخلص الكاتب إلى أن الممانعة والمقاومة لمشروع الهيمنة الأميركي الإسرائيلي لم تعد خياراً رومانسياً، بل باتت خياراً وجودياً لكل فرد يرى في ذاته قيمةً إنسانية تستحق الدفاع عن استقلالها. وينتقد الميل المتزايد لدى بعض النخب إلى تجاوز الحقائق الصارخة بحثاً عن سرديات «الواقعية» و«الحكمة»، وهي مواقف تعيد إنتاج أخلاقية الهزيمة وتستبطن العجز. ويحذر من أن كلفة الاستسلام على المدى البعيد أكبر بما لا يُقاس من كلفة المواجهة، وتكاد تصل إلى حدود التلاشي الكامل أمام مشروعٍ إمبريالي يعيد رسم المنطقة وفق مصالحه الحصرية.
سياسة دولي
⚠️محذوفسياسة دولي
سياسة دولي
سياسة دولي