بانتظار إسماعيل": المسرح السوري يستحضر مأساة المغيّبين قسراً برؤية درامية وشعرية


أعاد العرض المسرحي "بانتظار إسماعيل" الجمهور السوري إلى مواجهة مباشرة مع أحد أشد الملفات قسوة في الذاكرة السورية القريبة، وهو ملف المغيّبين قسرًا. يمثل هذا العمل، الذي أعدّه وأخرجه غزوان قهوجي، محاولة فنية جريئة لإحياء سردية الألم السوري الذي خلفه التغييب والاختفاء القسري، جاعلاً من خشبة المسرح مساحة لاستعادة ما سلبته سنوات القمع.
استلهم قهوجي رؤيته من مسرحية "الجنة تفتح أبوابها متأخرًا" للكاتب فلاح شاكر، وقدم العرض ضمن احتفالية رسمية أقامتها وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى الأولى لتحرير سوريا. وقد عُرض العمل على خشبة مسرح "الحمراء" في دمشق خلال الفترة من 7 حتى 12 من كانون الأول الحالي، وشهد حضوراً واسعاً من رواد المسرح والفنون.
أوضح مخرج العمل، غزوان قهوجي، أن عدد المغيّبين قسرًا في سوريا يفوق 180 ألف شخص، وهو رقم يختزن أسماء وأسرًا وأرواحًا فُقدت في مواجهة مجهولة. وتمثّل شخصية "إسماعيل" في العرض خلاصة حكايات العائلات التي تنتظر أبناءها، وحكايات البيوت الفارغة، والأطفال الذين كبروا بلا آباء أو إخوة. إن "إسماعيل" هو إسقاط على حالة المختفين قسرًا خلال عهد النظام السابق، حيث لا يزال البحث عن أثر له مستمرًا في أقبية المعتقلات وسجلات المستشفيات والمقابر الجماعية، بينما تظل أمه في انتظاره.
يصف صناع العرض عملهم بأنه سردية تلخّص 14 عامًا من الأحداث، صيغت ضمن أنساق درامية وشعرية جمالية تحمل طابعًا تراجيديًا ومعرفيًا صادقًا.
جمع العرض بين خبرة ممثلين مخضرمين، مثل ربى طعمة ومحمد إيتوني وساطع ياسين وعبود الشامي، وبين حضور طاقات شابة قدمت أداء بصريًا مكثفًا ومفعمًا بالحس الإنساني. وتمكن الفريق، خلال 45 دقيقة، من تقديم تجربة فنية اعتمدت على التكوينات الحركية والإضاءة والموسيقا والغناء، لتجسيد الانتظار بوصفه رحلة بحث عن العدالة والسلام الداخلي.
استند المخرج غزوان قهوجي في بناء الرؤية الدرامية والشعرية للعرض إلى نص فلاح شاكر، بالإضافة إلى قصائد للشاعرين أنس الدغيم وحذيفة العرجي، ليقدم رؤية تحتفي بالإنسان وقدرته على تجاوز الألم بالأمل. وقد أكد قهوجي أن تقديم العرض ضمن احتفالية وزارة الثقافة هو تأكيد على حيوية المسرح السوري ودوره في التعبير عن قيم التحرير والبناء، مشدداً على أن الخشبة ستظل مساحة مفتوحة للاحتفاء بالحياة والإنسان.
نال العرض تفاعلًا وارتياحًا كبيرًا من الجمهور الذي تابع القصة وأداء الممثلين والرؤية الإخراجية، مؤكدين قدرة المسرح السوري على تجديد نفسه واستلهام قضاياه من الواقع بروح فنية عالية.
فن وثقافة
فن وثقافة
فن وثقافة
فن وثقافة