الجفاف وتكاليف الزراعة الخانقة: مزارعو ريف الحسكة يقلصون مساحاتهم وسط تهديد بانهيار الموسم


في صباح شتوي بارد بريف الحسكة، يقف المزارع فواز الجميل متأملاً أطراف حقله. هذه الأرض، التي كانت تمتد خضراء على مساحة 70 دونماً قبل أعوام، تحولت في الموسم الماضي إلى خسارة كاملة "لم تنتج حتى كيساً واحداً"، وفقاً لما صرح به لنورث برس. وفي محاولة للموازنة بين شحّ المياه والارتفاع الجنوني لكلفة الزراعة، اضطر فواز هذا العام إلى تقليص مساحته المزروعة إلى 21 دونماً فقط، في مغامرة جديدة مع موسم لا يحمل الكثير من الوعود، لكنه يتمسك بالأمل بأن الأرض لا تغلق أبوابها نهائياً، بحسب وصفه.
يشرح فواز معاناته، مشيراً إلى بئره، قائلاً: "الجفاف وارتفاع أسعار البذار والسماد أجبرنا على تقليل المساحات. السماد الذي اشتريته العام الماضي كان سيئاً ولم يذب، وهذا العام زرعت على قدر المياه المتوفرة لدي، والتي بالكاد تغطي الأرض. وإذا استمر الوضع على هذا النحو حتى نيسان، فستجف الآبار".
لا تقتصر محنة فواز على ندرة المياه، بل تتفاقم بسبب الأعباء المالية الهائلة. فقد بلغ سعر طن البذار 410 دولارات، والسماد 370 دولاراً، بينما وصلت كلفة فلاحة الدونم الواحد إلى 12 دولاراً، يضاف إليها "حصة الفلاح" التي تبلغ 15% من إجمالي الإنتاج. ويختتم فواز حديثه بحسرة: "إذا بقي الوضع على هذا الحال، لن نتمكن من الزراعة في السنة القادمة".
قصة فواز الجميل تعكس الواقع المرير للموسم الزراعي الجديد في ريف الحسكة شمالي سوريا. تشهد المنطقة تراجعاً حاداً في زراعة القمح والشعير نتيجة سنوات متتالية من الجفاف وقلة الهطولات المطرية. وقد أدت خسائر المواسم الماضية، إلى جانب الارتفاع المضاعف لأسعار المستلزمات الزراعية هذا العام، إلى دفع العديد من المزارعين نحو تقليص المساحات المزروعة أو العزوف الكلي عن العمل الزراعي.
لقد تحولت آلاف الهكتارات، التي كانت في السابق سلة غذائية لسوريا وتنتج المحاصيل الشتوية بوفرة، إلى أراضٍ بور غير مزروعة، في مشهد يلخص تراجع الإنتاج الزراعي عاماً بعد عام.
على بعد كيلومترات، يروي المزارع ممدوح العادي، الذي يملك 230 دونماً، كيف تبدل حاله الزراعي. يقول ممدوح لنورث برس: "قبل جفاف نهر الخابور وتراجع المحروقات، كنت أزرع كامل المساحة شتوياً، وأخصص جزءاً بسيطاً للقطن. أما اليوم، فلا أستطيع سوى زراعة 40 دونماً، والباقي تركته بعلاً".
ويشير ممدوح إلى الأسباب الرئيسية للتدهور: قلة المحروقات، وضعف مياه الآبار، وغياب الدعم الزراعي. ويضيف أنه يضطر لشراء البذار من السوق السوداء لعدم امتلاكه ترخيصاً، حيث يبيع التجار طن القمح بأكثر من 500 دولار، والشعير بـ600 دولار. ورغم الاعتماد على الطاقة الشمسية لتعويض نقص المازوت الحر، فإن "غيوم الشتاء تعطل الزراعة". ومع ارتفاع كلفة الفلاحة إلى 15 دولاراً للدونم، ووصول سعر السماد الجيد إلى 800 دولار للطن، يحذر ممدوح من "فشل الزراعة وانقطاعها إذا لم يتم تقديم الدعم".
وفي قرية البجارية التابعة لناحية تل تمر، يملك محمد الجاسم 24 دونماً، لم يزرع منها هذا الموسم سوى 10 دونمات، رغم وجود بئرين سطحيين في أرضه. ويوضح الجاسم لنورث برس: "نعتمد على السقاية بالطاقة الشمسية فقط، وعندما يغيم الجو تتوقف الألواح. كل شيء أصبح مكلفاً: البذار والجرار والسماد والحصاد، ونحن نعتمد على الموسم لإعالة عائلاتنا، لكن الظروف صعبة جداً".
وفي خضم هذه التحديات، وبين أرضٍ منهكة ومزارعين يقاومون بالأمل، تشهد المنطقة حالياً منخفضاً جوياً مصحوباً بكميات وفيرة من الأمطار، مما قد يعزز آمال المزارعيين بتحسن الموسم الحالي بعد سنوات طويلة من الجفاف وقلة الهطولات. (تحرير: معاذ الحمد)
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي