بعد 8 سنوات من التهجير القسري: الحلبيون يعودون إلى مدينتهم الجريحة وذاكرة الخروج ما تزال حيّة


شهدت مدينة حلب في أواخر عام 2016 وبدايات عام 2017 محطة مؤلمة في تاريخها الحديث، تمثلت في التهجير القسري لعشرات الآلاف من المدنيين في أحيائها الشرقية. جاء هذا التهجير إثر حصار خانق وقصف مكثف، مخلفاً دماراً واسعاً طال البشر والحجر على حد سواء.
لم يكن هذا الخروج مجرد انتقال جغرافي، بل كان اقتلاعاً قاسياً من الجذور، وقطعاً مفاجئاً لمسار حياة كاملة تُركت خلف أبواب أُغلقت على ذاكرة مثقلة بالخوف والفقد. ورغم مرور ثماني سنوات على تلك الأحداث، تظل الذكرى حاضرة بقوة في وجدان الحلبيين، خاصة أولئك الذين حملوا مدينتهم معهم أينما ارتحلوا. يرافقهم خوف دائم من تلاشي الذاكرة، ويقين راسخ بأن العودة، مهما تأخرت، تظل احتمالاً قائماً.
في هذا السياق، يستعيد أنس العلي، وهو أحد المهجرين من أحياء حلب الشرقية، لحظة المغادرة المؤلمة. يقول العلي: «في عام 2016، وبعد حصار خانق ودمار واسع، غادرنا المدينة، غير أن يقين العودة لم يفارقنا. خرجنا ونحن نضع الرجوع نصب أعيننا، فغادرت مع عائلتي خارج البلاد، خطوة إلى الأمام، وعشر خطوات إلى الخلف».
ويصف أنس سنوات التهجير بأنها مسافة طويلة بين الذاكرة والواقع، حيث بدأت صور حلب تتلاشى تدريجياً. ويضيف: «بعد التهجير، بدأت ذكريات حلب تخفت شيئاً فشيئاً، لكن ما إن عدنا، حتى عادت الذكريات كلها دفعة واحدة».
أما معن شنان، فيلخص تجربة التهجير بكلمة واحدة هي الوجع. ويشير: «عندما تهجّرت من حلب في نهاية عام 2016، لم أحمل معي سوى وجعي. تركت خلفي منزلًا وذكريات، وغادرنا دون أن نعرف إن كنا سنعود يومًا». ويرى شنان أن التهجير يتجاوز مغادرة المكان إلى فقدان جزء من الذات، موضحاً: «التهجير ليس مجرد ترك لمكان، بل هو أن تترك جزءًا منك خلف الباب، وأن تعيش سنوات معلّقًا بين ماضٍ لم يمت، ومستقبل بلا ملامح واضحة».
وخلال سنوات الغربة، كان كل خبر أو صورة عن حلب كفيلاً بإحياء مشاعر الفقد، إلى أن جاءت لحظة العودة بعد سقوط النظام البائد. ورغم الفرح، حملت العودة تناقضاً مؤلماً، إذ يعبر معن بقوله: «عندما عدت اليوم، عدت كما خرجت، لكن في قلبي فرح ممزوج بوجع عميق، وجع على كل ما خسرناه بهذه الطريقة».
يصف معن حلب اليوم بأنها مدينة متعبة لكنها صامدة: «عدت إلى مدينة جريحة، انكسرت لكنها لم تُهن. وأدرك أن العودة ليست نهاية الحكاية، بل بداية طريق طويل من الترميم... ترميم الإنسان أولًا، قبل إعادة بناء الحجر». وهكذا، يبقى أبناء حلب يؤكدون أن مدينتهم لا تعود إلا بأهلها، وقد عادوا اليوم ليحكوا روايتهم ويستعيدوا ذاكرتهم، مؤكدين أن ما جرى لن يُنسى حتى لا يتكرر مرة أخرى.
رياضة
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي