منبج تشيع الشاعر والأديب حسن النيفي: مسيرة إبداع ونضال صاغها السجن والمنفى

ودّعت مدينة منبج السورية، الواقعة شرق حلب، جثمان الأديب والشاعر والمعتقل السياسي السابق حسن النيفي إلى مثواه الأخير، وذلك بعد رحلة علاج ووفاة في فرنسا. تأتي هذه الوفاة لتختتم مسيرة طويلة من الاعتقال والمنفى والإبداع التي عاشها الراحل.

كان النيفي قد فارق الحياة في أحد مشافي مدينة نانسي الفرنسية. وبعد وفاته، نُقل جثمانه إلى مدينة فرانكفورت الألمانية حيث أُقيمت الصلاة عليه، ثم جرى نقله عبر مدينتي إسطنبول وعينتاب التركيتين، وصولاً إلى مسقط رأسه في منبج، حيث وُوري الثرى وسط حضور شعبي وثقافي واسع.

وُلد حسن النيفي في مدينة منبج بريف حلب عام 1963، ويُعد من الأصوات الثقافية البارزة التي جمعت بين الإبداع الشعري والالتزام الوطني. تعرض للاعتقال عام 1986 أثناء دراسته في السنة الرابعة بقسم اللغة العربية في جامعة حلب، وقضى خمسة عشر عاماً في سجون نظام الأسد، متنقلاً بين عدد من المعتقلات، من بينها سجن تدمر العسكري، قبل الإفراج عنه عام 2001.

أثرى النيفي المكتبة العربية بعدة دواوين شعرية، بدأها بديوانه الأول «هواجس وأشواق» عام 1985، ثم «رماد السنين» عام 2004، الذي استعاد فيه قصائد حفظها عن ظهر قلب خلال سنوات الاعتقال. أعقب ذلك ديوان «مرافئ الروح» عام 2010. تميّز شعره بالوفاء للقصيدة العمودية واستلهام التراث العربي، مع شحنة وجدانية عالية عكست تجربة السجن والمنفى والهم الوطني.

بعد عام 2011، انخرط النيفي في الحراك المدني، وعمل ضمن المجالس المحلية، كما تولّى مهام سياسية في مجلس محافظة حلب الحرة خلال عامي 2014 و2015. غادر سوريا لاحقاً وأقام في تركيا، واصل خلالها نشاطه الصحفي والإعلامي، قبل أن ينتقل إلى فرنسا لاجئاً سياسياً نهاية عام 2022.

نعى عدد من رفاقه وأصدقائه من الأدباء والكتّاب الراحل، من بينهم الأديب حسن الجنيد، الذي وصفه بالطائر الذي لم تستطع السجون كسر روحه، وبالشاعر الذي لم تُخطئه القافية، معتبراً أن للعربية به أنداء، ولحلب فيه أمان ودعاء.

كما كتب صديقه ورفيق دربه أحمد البرهو نعوة مؤثرة قال فيها إن منبج «استيقظت صباح 18 كانون الأول/ديسمبر 2025 كمدينة يتيمة»، مشبّهاً رحيله بفقدان نهر كان يمنحها الحياة. واستعاد البرهو تفاصيل إنسانية من سيرة الراحل، تعود إلى عام 2001، بعد خروجه من السجن، حين افتتح مكتبة صغيرة ليكسب رزقه، وروى كيف باع لعبة لطفلة لم يكن في يدها سوى ليرتين، لأن «خاطر البنت كان أغلى من ثمن اللعبة». وأضاف أن ربع قرن من الصداقة جمعهما دون أن يكسر الراحل خاطر إنسان، واصفاً إياه بالنهر الذي لا يؤذي صخرة، وبالصوت الدافئ الذي كان يجبر خاطر المنكسرين.

وفي سياق متصل، نعت وزارة الثقافة السورية ووزارة الإعلام السورية الراحل، ووصفتاه بالمثقف والمعتقل السياسي السابق، وأحد أبرز المعارضين لنظام الأسد، مشيدتين بدوره الثقافي ومواقفه الوطنية خلال سنوات الاعتقال وما بعدها.

بالتوازي، تناقل ناشطون على نطاق واسع حديثاً سابقاً للنيفي عن إحدى زيارات والدته له في المعتقل، حين قالت له: «ابني، أربطه بإيدي أحملك الدنيا وأجيبها على السجن لحملتها»، في شهادة رأى كثيرون أنها تختصر وجع الاعتقال وقوة الأمهات، وتعكس أحد أكثر وجوه سيرته الإنسانية صدقاً.

وأجمع من عرفوا الراحل، من مثقفين وناشطين ورفاق درب، على الإشادة بحسن أخلاقه، وطيب معشره، ورصانة طروحاته الفكرية والسياسية، معتبرين أن حضوره لم يكن صاخباً بقدر ما كان عميقاً، وأن أثره سيبقى حاضراً في الذاكرة الثقافية والوجدانية لمنبج وسوريا عموماً.