العلم ينهي عقدًا من الانتظار: "ضلع مشقوق" يكشف هوية مفقود في حلب بعد 10 سنوات

في أروقة "قسم الاستعراف" بفرع حلب، حيث تتجلى قصص الغائبين من خلال بقايا رفاتهم، أُسدل الستار مؤخرًا على قضية اختفاء دامت لأكثر من عقد من الزمان. بفضل التضافر بين علم الأنثروبولوجيا والوراثة الطبية، تمكن فريق طبي متخصص من تحديد هوية المفقود (م.أ.ب)، ليعود جسده إلى ذويه بعد سنوات طويلة من الانتظار المرير.

الصندوق رقم (X): حين تنطق العظام

بدأت فصول هذه الحكاية بتاريخ 2 تشرين الثاني 2025، عندما استقبل قسم الاستعراف صندوقًا كرتونيًا يحتوي على رفات عظمية عُثر عليها في منطقة الليرمون. أظهرت الدراسات الأنثروبولوجية الأولية أن الرفات تعود لذكر يتراوح عمره بين العقدين السابع والثامن، وبطول يقدر بنحو 160 سم. ومع مراجعة ذوي المفقودين للقسم، تقدم زوج حفيدة المفقود (م.أ.ب) مبينًا أن الملابس التي وُجدت في الموقع تتطابق مع ملابس جده المفقود منذ عقد من الزمن.

"الضلع المشقوق": بصمة وراثية نادرة

أثناء الفحص الدقيق للرفات، اكتشف الخبراء وجود عيب خلقي نادر في أحد الأضلاع اليمنى، يُعرف طبياً بـ "الضلع المشقوق" (Bifid Rib). تُعد هذه الحالة نادرة، حيث لا تظهر لها أعراض وتصيب حوالي 1.2% من البشر. ولأن هذه الحالة قد تنتقل وراثياً، اتخذ الفريق خطوات علمية متقدمة شملت:

• طلب صور أشعة بسيطة للصدر لثلاثة من أبناء المفقود.
• مقارنة الصور الشعاعية للأبناء مع الضلع المصاب في الرفات.

النتيجة العلمية: تأكيد التطابق

أكد اختصاصي الأشعة وجود تطابق تام في حالة "الضلع المشقوق" بين الرفات وإحدى بنات المفقود، مما شكل دليلاً علمياً دامغاً على صلة القرابة.

حسم الهوية والاستعراف الإيجابي

تظافرت الأدلة لتقود إلى نتيجة واحدة لا تقبل الشك، حيث تقاطعت المعلومات التالية:

• التطابق الطبي: توافق الحالة الوراثية (الضلع المشقوق) بين الرفات والابنة.
• الأدلة المادية: تطابق "الكلابية" (الخرزة أو القطعة المعدنية) الموجودة مع الملابس مع تلك التي كان يرتديها المفقود.
• البيانات الشخصية: توافق كامل بين البروفيل الأنثروبولوجي للجثة وسجلات المفقود.

كلمة الفصل

بناءً على هذه المعطيات، أعلن رئيس مركز الاستعراف بفرع حلب، الدكتور رغد شيخ شعبان، تأكيد "الاستعراف الإيجابي". وقد أُصدر التقرير الرسمي لتسليم الرفات إلى ذوي المفقود أصولاً، ليوارى الثرى في موكب ينهي رحلة التيه التي دامت عشر سنوات، ويثبت مجدداً أن العلم هو المفتاح الوحيد لغلق ملفات الفقد الموجعة.