دير الزور تواجه كارثة صحية صامتة: مياه الشرب الملوثة تهدد حياة مئات الآلاف


هذا الخبر بعنوان "كارثة صامتة على حافة الصنبور.. مياه ملوثة تهدد حياة مئات الآلاف في دير الزور" نشر أولاً على موقع North Press وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يفتح سكان دير الزور صنابيرهم كل صباح ليجدوا مياهًا غائمة وذات رائحة كريهة، تحمل أحيانًا رمالًا وطفيليات، أو تبدو صافية لكنها خالية من الكلور ومحملة بمخاطر غير مرئية. في هذه المدينة التي أنهكتها سنوات النزوح والحرب، تحولت مياه الشرب من مصدر للحياة إلى تهديد صامت، حيث تنتظر الأمراض الفرصة لتصيب الصغار والكبار على حد سواء. تتفاقم هذه الكارثة الصحية الصامتة مع الظروف الاقتصادية الصعبة، مما يجعل من تلوث المياه قضية حياة أو موت يومية لمئات الآلاف من السكان.
عاد يوسف الموسى، أحد سكان حي المطار القديم، إلى منزله بعد رحلة نزوح دامت نحو 15 عامًا، ليجد أن المعاناة قد اتخذت شكلاً جديدًا. يقول الموسى لـ نورث برس: “المياه التي تصل إلينا غير معالجة، ولا تحتوي على الكلور، تأتي مباشرة من نهر الفرات إلى صنابيرنا”. ويضيف أن “الأطفال وكبار السن هم الأكثر تأثرًا. يجب أن تأتي لجان وتراقب جودة المياه وترى بأعينها حجم المعاناة”. بالنسبة للموسى، لم تكن العودة إلى المنزل بداية لحياة طبيعية، بل مواجهة يومية مع تهديد صحي مستمر.
في حي الحميدة، تزداد الأزمة سوءًا، حيث لا يقتصر الأمر على نقص المياه، بل يتفاقم بسبب تلوث نهر الفرات نفسه، الذي يتحول إلى مصدر للأوبئة.
يروي قاسم الجباري، وهو صياد في المنطقة، ملاحظاته اليومية لـ نورث برس قائلاً: “نرى ما لا يراه أحد آخر، نرى القمامة مطروحة في النهر من مطاعم ومصانع صغيرة، ونشاهد مواد سامة مثل الديلميتات واللانيت التي تقتل وتسبب الوفاة أحيانًا”. ويشير الجباري إلى أن مياه الشرب الصالحة إما “مليئة بالكلور أو خالية منه تمامًا”، وأحيانًا تكون “ذات رائحة كريهة بسبب الصرف الصحي”. ويؤكد أن هذه المياه الملوثة هي السبب المباشر في تفشي الإسهال الشديد، والكوليرا، والفشل الكلوي، وحتى بعض أنواع السرطان في المنطقة، مشددًا: “نعاني كثيرًا من حالات الفشل الكلوي بين السكان”.
في حي الصناعة، يتحمل السكان عبئًا ماليًا هائلاً للتعامل مع أزمة المياه. يصف ربيع أحمد الحاج (63 عامًا) الوضع بـ”المأساوي”، بعدما اضطر لإنفاق مليون ونصف ليرة سورية على تمديد خط مياه خاص به لتأمين مصدر أفضل. إلا أن المياه الجديدة جاءت معكرة وغير صالحة حتى للشاي.
يقول الحاج لـ نورث برس: “المياه الملوثة تصيب الكلى بالرمل والحصى، ولا نملك المال الكافي لشراء الدواء”. ويضيف: “نصائح الأطباء بشرب مياه معقمة تصطدم بالواقع القاسي: لا يوجد عمل، ومن أين أتي بالمصاري؟ أحيانًا نحن نأكل لنعيش، وليس لنستطيع شرب المياه الصحية”. تعكس هذه المعاناة اليومية ثقل الأزمة الاقتصادية والصحية، وتجعل من معالجة المياه ضرورة لا تحتمل التأجيل.
يعتبر السكان أن تلوث مياه الشرب قضية وطنية وصحية عاجلة، ويضعون المسؤولية على كل الجهات المعنية، بدءًا من القائمين على محطات المياه وحتى الجهات البيئية والرقابية. تشمل مطالبهم: “إعادة تأهيل محطات التصفية المعطلة، تشديد الرقابة على جودة المياه، والتحقيق في المخالفات البيئية ووقف تدفق المواد السامة والصرف الصحي إلى نهر الفرات”. ويحذر السكان من أن استمرار الوضع سيزيد من تفشي الأمراض ويضع حياة السكان في خطر يومي. الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتصفية المياه ووضع حد لهذه الكارثة الصحية الصامتة قبل فوات الأوان، فالخطر لم يعد مستقبليًا، بل حاضر في كل كأس ماء يصل إلى الصنابير.
تحرير: معاذ الحمد
سياسة
صحة
صحة
صحة