«مخاتير المحصورة»: رواية نور الدين الإسماعيل التي تكشف أبعاد الواقع السوري زمن النظام البائد


هذا الخبر بعنوان "رواية مخاتير المحصورة تستحضر الواقع السوري زمن النظام البائد" نشر أولاً على موقع sana.sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تُقدم رواية «مخاتير المحصورة» للكاتب نور الدين الإسماعيل قراءة معمقة للواقع السوري، مستعرضةً الصراعات الاجتماعية والسياسية والإنسانية التي عاشها السوريون إبان فترة النظام البائد. من خلال قرية «المحصورة» الافتراضية، ترسم الرواية صورة قاتمة لتلك الحقبة، حيث تتشابك الشخصيات والأحداث لتُلقي بظلالها على واقع مرير.
تتجسد في الرواية تفاصيل الخوف والولاء والتبعية التي سادت زمن النظام البائد، كما تعكس أبعاد النفوذ والهيمنة وتأثيرها العميق على الحياة اليومية. يوازن السرد ببراعة بين التوثيق الرمزي والتجربة الإنسانية، متجاوزاً حدود الزمان والمكان ليصبح مرآة للوطن، ويرسم صورة حزينة لكنها نابضة بالحياة عن سوريا في تلك الفترة. وقد وصف الناقد محمد منصور هذا العمل بكلمات تصفع الذاكرة لإبقائها حية، قائلاً: «حين يُجعل من هذا الخوف سجناً للإنسان، لا يتخطاه وإن جاء من يفتح له الأبواب ويفك له القيود والأصفاد».
تغوص الرواية في أوجاع السوريين المسكوت عنها من خلال متخيل قرية «المحصورة» ومختارها، وشخصياتها التي تتعايش وتتغذى على بعضها ضمن منظومة أدوات خاصة اختارها الكاتب. يتشكل النص في فضاء سردي مجرد، كبناء لغوي عالي الاشتباك، لا يكتفي بمحاكاة الواقع بل يُعيد إنتاجه كنسق سلطوي مشحون بالخوف. تتسرب عبره آليات الهيمنة إلى أدق تفاصيل العيش اليومي، وتتآكل البراءة كقيمة ممكنة، وتتحول العلاقات العادية إلى طقوس رمزية مثقلة بالخوف، حيث يصبح المألوف أداة ضبط، والحميمي موضع شك، واللغة نفسها حقلاً للاشتباه الدائم.
تُعلّق الرواية زمنها عند تخوم عام 2014، لكنها لا تستكين عند هذه الحدود، بل تنفتح على أفق استشرافي يلتقط مبكراً ما سيؤول إليه الواقع السوري من تصاعد عنف النظام البائد، وتفكك البنية الحاكمة من الداخل، وانكشاف المجتمع على ذاته عارياً من سرديات الطمأنينة.
تُجمّد الرواية حالة الارتباك التي سادت تلك المرحلة داخل «المحصورة» وتكشف آلياتها، لتختصر المشهد السياسي السوري الواسع في بيئة مصغّرة. تتحول الشخصيات فيها إلى فئات رمزية ذات دلالات اجتماعية وسياسية، تتداخل لحظات ما قبل الانفجار حيث تتصاعد التوترات وتبدأ السلطة بفقدان شرعيتها الرمزية. يظهر إلى العلن أنها غدت وكراً للمصالح والتقارير والانتقام، تحيط بها الشبهات ويهيمن عليها منطق التخوين. لا تعد «المحصورة» مجرد قرية، بل فضاء رمزي يُحاكي بنية السلطة المركزية في صورتها المصغّرة، حيث يبرز «المنزول» كمركز اجتماعي يتحول إلى مسرح للتمثيل السياسي، تُدار فيه الحوارات، وتُنسج المؤامرات، وتُختبر الولاءات. فالبيوت والأزقة والولائم وحتى فنجان القهوة، جميعها تتحول إلى رموز مشحونة. وفي هذا الفضاء، تبرز شخصيتا رمضان والأستاذ، معصوبي العينين، إشارة إلى العبور من الظلم إلى النجاة، بينما تتفلت باقي الشخصيات من قبضة الكاتب لتخطّ سيرتها الخاصة، موسّعةً أفق «المحصورة»، ومحوّلةً إياها إلى فضاء سردي رحب يتجاوز حدود الجغرافيا.
تتميز لغة الكاتب بالتوتر الذي يتناسب طردياً مع الأحداث متعددة الذرى، فتتراوح بين الفصحى المحكمة والسرد المشحون بالعامية الرمزية، ما يمنح الشخصيات طابعاً واقعياً ويعكس التوترات النفسية والاجتماعية. أما البلاغة التصويرية فهي حاضرة بقوة، بنمط ساخر يحمل دلالات رمزية عميقة.
تبرز الرواية الواقع السوري زمن النظام البائد، حيث يسود الخوف والولاء والتبعية، وتتدهور الأوضاع الإنسانية. تُعيد شخصية المختار إنتاج نفسها عبر هذه المفاهيم، بينما تعكس الرواية النضال والحرية، حيث تتحرك الشخصيات بحثاً عن النور وتشعل الفتيل في مواجهة الظلم والاضطهاد. تركز الرواية على دور الشهداء في النضال والحرية، مقدمةً صورة عن الشهيد الذي يرفع يده بالنصر ويسقط واقفاً وحياً، كما تعكس الأمل في النصر والحرية، إذ يقدم الكاتب صورة عن النصر المحمول على الأكتاف كعرس لشهيد.
رواية «مخاتير المحصورة» صادرة عن دار موزاييك للدراسات والنشر. والكاتب نور الدين الإسماعيل شاعر وروائي سوري، خريج كلية الآداب جامعة حلب قسم اللغة العربية. يكتب الشعر والقصة القصيرة الساخرة والمسلسلات الإذاعية الساخرة، كما كتب سيناريو فيلم قصير «المارد» الذي قام بأداء أدواره مجموعة من الشباب الموهوبين في الداخل السوري. يجسد في كتاباته تجارب المجتمع السوري في ظل التحولات التاريخية والسياسية، ومعاناة الشعب السوري وآماله إلى غدٍ أفضل، مستخدماً اللغة والصورة الأدبية لتناول أبعاد الحياة اليومية والصراع بين استبداد السلطة والإنسانية.
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة