تعميم الوصاية في سوريا: جدل حقوق الأمهات والطفل يكشف فجوة بين القانون والواقع المتغير


هذا الخبر بعنوان "الأمهات السوريات وتعميم الوصاية.. جدل الحقوق والواقع" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أثار التعميم رقم (17) الصادر عن وزارة العدل السورية جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والإعلامية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الطفل ودور الأم في الوصاية. يأتي هذا الجدل في ظل واقع اجتماعي سوري شهد تحولات جذرية خلال السنوات الماضية بفعل الحرب، وما خلفته من فقدان للمعيل، وتشتت للعائلات، وتزايد ملحوظ في أعداد الأسر التي تعيلها نساء.
يؤكد التعميم أن الولاية على القاصر تشمل النفس والمال معًا، وهي حق وواجب يقتصر قانونًا على الأب أولًا، ثم على الجد العصبي. وبناءً عليه، لا يجوز للمحاكم الشرعية تعيين أوصياء شرعيين خاصين لأغراض السفر أو استخراج جوازات السفر والتأشيرات، إلا ضمن ما ينص عليه القانون صراحةً. وقد برّرت وزارة العدل إصدار هذا التعميم بالزيادة الكبيرة في طلبات تنصيب الأوصياء خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ضغط غير مسبوق على المحاكم الشرعية وتعطيل أعمال قضائية أخرى.
غير أن صيغة التعميم، التي افتقرت إلى التفسير الواضح، فتحت الباب أمام تأويلات واسعة وأثارت قلقًا اجتماعيًا، خصوصًا لدى الأمهات اللواتي رأين فيه تكريسًا لإقصائهن عن أي دور قانوني في شؤون أبنائهن. في هذا السياق، توضح نور عويس، الباحثة القانونية في مؤسسة “حقي”، أن حالة الجدل لم تظهر إلا بعد صدور التعميم دون شرح كافٍ لمقصده.
وتشير عويس إلى أن وزارة العدل عادت لاحقًا لتوضيح أن التعميم يقتصر على تنظيم إجراءات استخراج جوازات السفر، ولا يتضمن أي تعديل على مفاهيم الولاية أو الوصاية أو القوامة أو الحضانة. وشددت على أن هذه المفاهيم لا يمكن تغييرها إلا من خلال تعديل تشريعي رسمي يمر بمراحل قانونية تشمل الدراسات ومجلس الشعب.
وترى عويس أن الإشكالية الحقيقية تكمن في التناقض الصارخ بين النصوص القانونية القديمة، التي يعود معظمها إلى قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953، وبين الواقع الاجتماعي الراهن، لا سيما بعد عام 2011، حيث تغير موقع المرأة داخل الأسرة السورية بشكل كبير نتيجة فقدان الأزواج أو سفرهم أو غيابهم القسري.
وتضيف الباحثة القانونية أن التعميم، على الرغم من طابعه الإداري، "فتح جروحًا مؤجلة" وأعاد تسليط الضوء على قوانين لم تعد تعبر عن واقع آلاف النساء السوريات، سواء داخل البلاد أو خارجها. وتعتبر عويس أن الجدل القائم يشكل فرصة حقيقية أمام النساء والمنظمات النسوية للانتقال من ردود الفعل الإعلامية إلى حوار قانوني جاد مع الدولة حول ضرورة تعديل القوانين، بدل الاكتفاء بالاعتراض على تعميم إداري لا يملك في الأصل صلاحية تغيير التشريعات.
من جهتها، تقول يافا نواف، الإعلامية السورية والأم لطفلتين تحتضنهما منذ وفاة والدهما، إن التعميم أعاد التأكيد على شعور متجذر لدى كثير من النساء السوريات بالظلم. وتعتبر أن قوانين الأحوال الشخصية تحرم الأم بشكل مباشر من حق الوصاية على أطفالها، حتى في الحالات التي تكون فيها المسؤولة الوحيدة عن رعايتهم.
وتستشهد نواف بآراء قانونية تؤكد أن المطالبات بتعديل القوانين التمييزية ضد النساء، وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية، ليست وليدة اليوم، بل تعود لسنوات طويلة. وترفض في الوقت نفسه تبرير هذه القوانين بكونها "مستمدة من الشريعة الإسلامية"، معتبرة أن هذا الطرح يضفي عليها هالة من القداسة تمنع مساءلتها، رغم أنها قائمة على اجتهادات فقهية تاريخية، وُجد بعدها آلاف الاجتهادات المختلفة. وترى نواف أن جوهر أي قانون يجب أن يكون تحقيق العدالة، مؤكدة أن النصوص التي لا تحاكي واقع المجتمع ولا توازن بين مصالح أفراده تفقد معناها القانوني والإنساني.
وبينما تصر وزارة العدل على أن التعميم رقم (17) إداري بحت ولا يمس جوهر الولاية أو الوصاية، يكشف الجدل المثار حوله فجوة عميقة بين القوانين السارية والتحولات الاجتماعية التي فرضتها سنوات الحرب. هذا الجدل يعيد فتح ملف إصلاح قانون الأحوال الشخصية، بوصفه أحد أكثر الملفات حساسية وتأجيلًا في سوريا، خاصة في مرحلة انتقالية تتطلب، بحسب حقوقيين، شجاعة تشريعية تضع مصلحة الطفل وحقوق المرأة في صلب أي تعديل قادم.
وتنضم هناء عدنان، أم لأربعة أطفال ومنفصلة عن زوجها منذ نحو عشر سنوات، إلى الأصوات المنتقدة للتعميم، معتبرة أنه يعكس فجوة مؤلمة بين النص القانوني وواقع حياة الأمهات السوريات. وتضيف أن الأم السورية اليوم لا تطالب بامتيازات إضافية، بل بقانون ينصف دورها الفعلي داخل الأسرة، ويعترف بمسؤوليتها الكاملة عن الأطفال. وتؤكد أن استمرار تجاهل هذا الواقع القانوني يكرّس معاناة الأمهات ويترك الأطفال عالقين بين نصوص جامدة وحياة يومية لا تعترف بها. وتقول إن حرمانها من حق الوصاية، رغم كونها المسؤولة الوحيدة عن أطفالها منذ سنوات، يمثل ظلمًا مضاعفًا، في وقت لا يلتزم فيه طليقها بأي نفقة أو متابعة لشؤون أبنائه.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة