الحماية الاجتماعية في سوريا: استثمار استراتيجي لرأس المال البشري لا هدر للموارد


هذا الخبر بعنوان "الحماية الاجتماعية ليست هدراً بل استثمار" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
رأي - أيهم أسد
تُعد الحماية الاجتماعية من أبرز الآليات التي تعتمدها الدول الحديثة لترسيخ العدالة الاجتماعية، وتقليص الفوارق، ومواجهة الفقر والهشاشة، وحماية الفئات المهمشة. إنها جزء لا يتجزأ من منظومة شاملة للعدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترتبط ارتباطاً مباشراً بمفهوم العقد الاجتماعي.
تشهد سوريا تحديات اجتماعية واقتصادية متفاقمة نتيجة استمرار النزاعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي، وارتفاع معدلات الفقر، وتفشي عدم المساواة. في هذا السياق، تبرز برامج الحماية الاجتماعية كأداة حيوية لمواجهة هذه التحديات، خصوصاً فيما يتعلق بالفئات الأكثر ضعفاً مثل اللاجئين والنازحين والأشخاص ذوي الإعاقة والنساء المعيلات والأطفال في ظل الأزمات.
تكتسب هذه البرامج أهمية خاصة نظراً لارتفاع معدلات الفقر؛ إذ يقع ما يقارب ثمانين بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، على الرغم من التحسن الطفيف جداً في النمو الاقتصادي المتوقع في عام 2025. لقد أسفرت الحرب في سوريا، التي امتدت بين عامي 2011 و2024، عن نزوح ملايين الأشخاص وتدمير ملايين المساكن، وخروج جزء كبير من البنية التحتية عن الخدمة، مما زاد من حاجة السكان إلى الدعم.
تعاني سوريا حالياً من عدم كفاية وضعف شبكات الأمان الاجتماعي، لا سيما في القطاعات غير الرسمية التي تتسع باستمرار في ظل غياب استثمارات حقيقية قادرة على استيعاب قوة العمل الداخلة إلى السوق. يعمل في هذه القطاعات غير الرسمية نسبة كبيرة من النساء والأطفال، دون وجود إحصائيات دقيقة حتى الآن عن مدى انتشار هذا القطاع في سوريا.
لا تقتصر إشكاليات غياب الحماية الاجتماعية على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل الانقسامات الاجتماعية أيضاً. يؤدي ارتفاع معدلات الفقر ونقص الخدمات الأساسية إلى تفكك الروابط الاجتماعية وزيادة هشاشة المجتمعات، وانتشار العنف والتوجه نحو الأعمال غير المشروعة لكسب الدخل، الأمر الذي يهدد الاستقرار المجتمعي والتنمية المستدامة.
لذلك، أصبح من الضروري تعزيز برامج الحماية الاجتماعية وتطويرها لضمان اندماج اجتماعي أعمق يشمل جميع الفئات، ويحد من التداعيات السلبية للأزمات المتعددة التي تواجه المجتمع السوري بوضوح. ومن أبرز التحديات التي ستواجه هذه البرامج في سوريا نقص التمويل المحلي والخارجي، ونقص قواعد البيانات الخاصة بالحماية، وتشتت الاقتصاد السوري بين مناطق اقتصادية متمايزة.
سيمتد تأثير هذه العوامل مباشرة إلى قدرة البرامج على تعزيز الاندماج الاجتماعي، وسيقلل في نهاية المطاف من كفاءتها، ويزيد من شعور الفئات المهمشة بالإقصاء والتهميش. إن الحماية الاجتماعية ليست هدراً للموارد المالية على الإطلاق؛ بل هي حماية لرأس المال البشري ووسيلة لدعم تنميته، فهي بالتالي استثمار في البشر لضمان بقائهم أصحاء ومنتجين.
مع كل انفتاح اقتصادي وتغيير في شكل الاقتصاد، كان من الضروري جداً توسيع نطاق الحماية وتعديل الفئات المستهدفة باستمرار بدلاً من تقليصها. وهنا تتجلى فلسفة الدولة السياسية والاقتصادية، ويظهر جزء من جوهر علاقتها مع المواطنين. الحماية الاجتماعية ليست هدراً للموارد المالية على الإطلاق؛ بل هي حماية لرأس المال البشري ووسيلة لدعم تنميته.
سياسة
سياسة
اقتصاد
سياسة