تحولات اللغة في سوريا 2025: من عصر الرفيق والشيفرات الأمنية إلى مفردات ما بعد سقوط النظام


هذا الخبر بعنوان "مفردات ومصطلحات سوريا الجديدة… من الرفيق للشيخ" نشر أولاً على موقع snacksyrian وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شهد المجتمع السوري في عام 2025 تحولاً لغوياً جذرياً، حيث تراجعت مفردات ومصطلحات كانت جزءاً لا يتجزأ من التداول اليومي، مثل “رفيق” و”بيت خالتك” و”الشوئسمو”، لتحل محلها تعبيرات جديدة تعكس الواقع المستجد بعد سقوط نظام بشار الأسد. هذا التحديث في القاموس الشعبي السوري، الذي وثقته رحاب تامر في “سناك سوري”، أزاح كلمات كانت سائدة وأدخل أخرى لم تكن حاضرة من قبل.
لم يغب مصطلح “المؤامرة” تماماً، لكنه بات يُذكر في سياقات مختلفة عما كان عليه في روايات نظام الأسد. في المقابل، اختفت عبارة “النظام العالمي الجديد” قبل أن يدخل السوريون عصر السؤال المباشر “أنت شو؟”، بعد أن كانوا يعيشون في زمن الشيفرات اللفظية و”البقدونس السياسي”. فكلمة “دولار” لم تكن تُنطق بصوت عالٍ، بل كانت تُستبدل بتمتمات مثل “النعنع” و”الشوئسمو”، وكأن الاقتصاد مجرد وصفة تبولة أمنية. وكان فتح القلب يتطلب تفحص الجدران أولاً، فـ”لها آذان” وقد تملك قدرة خارقة على التبليغ.
عبارة “راح على بيت خالته” لم تكن خبراً عائلياً عابراً، بل إعلاناً رسمياً عن زيارة مجانية لأحد الفروع الأمنية، غالباً دون عودة محددة. أما من كان “خطه حلو”، فلم يكن موهوباً في التخطيط بقدر ما كان بارعاً في كتابة تقارير أفقية عن الجيران وزملاء العمل والمارة العشوائيين. ولا يمكن نسيان “الشباب الطيبة”، وهو لقب كان يُطلق على القادمين فجراً وفي أي وقت، ليس لاحتضان المواطن، بل لأخذه في رحلة استكشافية إلى المجهول، تبدأ بعبارة “الدبان الأزرق مارح يعرفلك طريق”.
كما اختفت الصفة الأكثر تداولاً على مدى قرابة 60 عاماً، “رفيق”، حيث اختفى الرفاق في يوم وليلة. وغابت عن المشهد مصطلحات تدل على أحداث مثل “اجتماع حزبي” أو تسميات كـ”الجبهة الوطنية التقدمية”. كل هذه المفردات رحلت برحيل الجهة التي كانت تملك الحق الحصري في استعمالها، وبدأ العهد الجديد على وقع مفردات لم تطل كثيراً في الظهور.
من أبرز مفردات ومصطلحات سوريا الجديدة لعام 2025، كلمة “الشيخ”، التي لا تدل على رجل دين في الجامعة، بل على شخص موجود في كل مؤسسة حكومية، مهمته إدارة المؤسسة دون أن يديرها فعلياً، وكلما صعبت مشكلة على موظف، يقول لك “شوف الشيخ”. و”لبّت لبّت” ليست صرخة قبلية، بل تقنية تعبئة ذاتية تستخدم في حالات الطوارئ العائلية، أو الفزعات الفصائلية، أو عندما يكتب أحدهم رأياً غير وطني على فيسبوك، حيث النداء مباشر، والردّ أسرع، والدم أحياناً خيار لغوي لا يمكن تجنبه.
وإذا قُتل شخص غير مصنّف في خانة “معنا”، فلا حاجة لتحقيق أو حتى سؤال، بل يخرج عليك الناشطون الحقوقيون وعرابهم ويقولون لك “تزحلق بقشرة موزة”، وينتهي الأمر. أما الجملة الأشهر على الإطلاق، فهي “أنت شو؟”، وهو اختبار دم سريع يستخدم قبل الحب، الصداقة، المناقشة، وحتى تقديم الإسعافات الأولية.
“أيتام الأسد” هم تيار متجدد، لا يشترط أن يكونوا قد أحبوا الأسد سابقاً، بل يكفي أن يقولوا جملة من نوع “ما بصير نقتل بعض” ليُصنفوا تلقائياً في خانة اليتامى الذين لم يتربّوا عند الخطاب الوطني الجديد. وفي حال عبّرت عن رأي، فكن مستعداً لاستلام تهمة “فلول”، وهي جريمة فكرية يدان بها كل من يلوم رئيس البلدية على إهمال تزفيت الشارع، أو ينتقد “هداك الوزير” لأنه يحب “الشو”. ونصل إلى “التكويع”، وليس المقصود به “لف على الكوع”، إنما من كان أمس يصفق وما زال يصفق، وهي تهمة جاهزة لكل من تسول له نفسه انتقاد “رئيس البلدية” إياه.
ورغم كل هذا التحديث اللغوي الجبار، هناك مفردات ما زالت متمسكة بإصرار، كلمات تجاوزت الزمن والأنظمة دون أن تهتز شعرة من مكانها. على سبيل المثال، “العشيقة” أو “الصاحبة”، ما يزال اسمها “أبو أحمد السباك” أو “أبو فتحي الكهربجي”، حرصاً على مشاعر الزوجة، التي يجب ألا تعرف أن زوجها “عشقان عليها”، بل تظن أنه فقط شديد الولاء لأعمال الصيانة الطارئة. ولا ننسى المثال الأبلغ، فكل بلدان العالم لديها اسم واحد، يُقال في العلن دون ارتجاف، أما نحن، فلدينا اسمان، واحد رسمي يستعمل في الأخبار العاجلة، وآخر نستخدمه عند الحاجة “هونولولو”، وكل عام وأنتم بخير من قلب “الهونولولو”.
منوعات
منوعات
منوعات
منوعات