الطاحونة: كشف أسرار "الثقب الأسود" خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون بدمشق


هذا الخبر بعنوان ""سجن الطاحونة": الثقب الأسود خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون بدمشق سابقاَ" نشر أولاً على موقع zamanalwsl وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
خلف الجدران الصامتة لمبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين بدمشق، يكمن تاريخ طويل من القمع الخفي. في المنطقة الواقعة بين إدارة الأمن الجنائي وشارع الجمارك، توجد "الطاحونة"؛ وهي منشأة مائية قديمة تحولت من خدمة سكان دمشق إلى أحد أكثر السجون غير الرسمية رعباً وسرية في تاريخ سوريا الحديث.
خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقبل انتقال القصر الجمهوري إلى موقعه الجديد، كانت هذه المساحة الواسعة تحت سيطرة القصر الجمهوري ومرآب سياراته. استولى النظام على طاحونة الماء التاريخية، ومع تزايد نفوذ رفعت الأسد، تحول الموقع إلى مفرزة عسكرية مخصصة لحماية مبنى الإذاعة، وجرى تجديد مبنى الطاحونة ليصبح مقراً لها. لم تقتصر وظيفة "الطاحونة" على كونها مقراً عسكرياً، بل ضمت في قبوها زنازين انفرادية استُخدمت آنذاك لاحتجاز الضباط الذين وقعوا في دائرة الغضب، بعيداً عن أي رقابة أو مساءلة قانونية.
بعد أحداث عام 1984، انتقلت السيطرة على الموقع إلى الحرس الجمهوري، لكن التحول الأهم جاء في عهد "المخلوع" وشقيقه ماهر الأسد. خضع المكان لسيطرة الفرقة الرابعة، وأصبح مقراً شخصياً لـماهر، مدعوماً بمفرزة ميدانية لتأمين مبنى التلفزيون. نُقل السجن إلى قطاع قصر الشعب، منطقة انتشار الحرس الجمهوري. في هذه المرحلة، تحول "سجن الطاحونة" إلى أداة لترهيب الطبقة الحاكمة ذاتها، حيث استُخدم لاعتقال وتعذيب كبار ضباط الجيش والوزراء والمسؤولين، وكذلك أبناء المتنفذين الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء. كان هذا السجن يعمل "خارج القانون" بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فلا سجلات رسمية، ولا أوامر مكتوبة، بل مجرد تعليمات شفهية مباشرة كانت تحسم مصائر المعتقلين خلف تلك الجدران.
مع اندلاع الثورة السورية، استُخدمت "الطاحونة" كمحطة احتجاز مؤقتة لشباب الحراك من مناطق قدسيا ودمر والمزة. كان المعتقلون يُحتجزون فيها لساعات أو أيام قبل نقلهم إلى مراكز التعذيب المعروفة مثل "فرع المنطقة 227" أو "سرية المداهمة (الفرع 215)".
في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024، جاءت اللحظة الحاسمة. مع انهيار المنظومة الأمنية، فرّ عناصر سرية المداهمة (215) من محيط التلفزيون، وتبعهم عناصر الحرس الجمهوري من مبنى الطاحونة. لأول مرة منذ عقود، تمكن المدنيون من دخول المنشأة، ليشاهدوا بأعينهم هذا المكان الذي لطالما بث الرعب بصمته. بعد عمليات تفتيش دقيقة، تبين أن السجن كان خالياً من المعتقلين في تلك اللحظة، ليتم لاحقاً فرض السيطرة عليه من قبل الأمن العام ضمن خطة حماية مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
يبقى "سجن الطاحونة" شاهداً، قديماً وحديثاً، على حقبة من "دولة المزارع" والسرية المطلقة، حيث كانت المؤسسات السيادية والمنشآت التاريخية تُسخّر لخدمة أجهزة القمع الشخصية بعيداً عن أي قيد قانوني أو أخلاقي. (بقلم: مروان العش - زمان الوصل)
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة