كتاب جديد يكشف: أسرار إخفاق الاستخبارات الأميركية في حرب أفغانستان الطويلة


هذا الخبر بعنوان "من قلب الاستخبارات: أسرار الفشل الأميركي بأفغانستان" نشر أولاً على موقع worldnews-sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
لطالما ارتبط اسم الاستخبارات الأميركية في المخيال العام بقدرات خارقة ونفوذ واسع، قادر على تغيير مجرى الأحداث الكبرى حول العالم. هذا التصور، الذي عبر عنه الجنرال بيتر تشياريلي في مقال نُشر خلال سنوات الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق، أشار إلى اتساع حدود القوة الأميركية، لا سيما في المجال الاستخباري.
غير أن النظرة من داخل مؤسسات الاستخبارات نفسها تبدو أكثر تواضعًا وواقعية، حيث يعترف ضباطها وباحثوها بوجود إخفاقات متكررة، لدرجة أن "الفشل الاستخباري" أصبح حقلًا بحثيًا قائمًا بذاته في دراسات الاستخبارات. ويبرز هذا الاعتراف في أعمال أكاديمية بارزة، من بينها كتاب روبرت غريفس "لماذا تفشل الاستخبارات؟ دروس من الثورة الإيرانية وحرب العراق"، الذي يناقش حدود المعرفة الاستخبارية وأسباب تعثرها.
وفي هذا السياق، أصدر الصحفي الاستقصائي الأميركي تيم وينر مؤخرًا كتابه الجديد "المهمة: الاستخبارات الأميركية في القرن الحادي والعشرين"، مستندًا إلى خبرة تمتد منذ عام 1988 في تغطية شؤون الاستخبارات، وإلى رصيد بحثي كبير جعله يحصد "جائزة الكتاب الوطني" عن مؤلفه السابق "إرث من الرماد"، الذي وثّق تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال أول ستة عقود من تأسيسها اعتمادًا على وثائق رُفعت عنها السرية ومقابلات مع نحو 200 من قادتها وضباطها. يتوقف وينر مطولًا في كتابه الجديد عند إخفاق الاستخبارات الأميركية في أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، وهي حرب أفغانستان الممتدة من عام 2001 حتى 2021، مقدّمًا قراءة نقدية لأسباب الفشل من داخل المؤسسة نفسها.
للتعمق في جذور هذا الإخفاق، يعود وينر إلى بدايات تأسيس وكالة الاستخبارات المركزية عام 1947. فبحسب ريتشارد هيلمز، أحد مؤسسي الوكالة ومديرها لاحقًا في عهد الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، كانت المهمة الأولى للوكالة هي فهم العالم والعدو المحتمل، ومنع تكرار صدمة بيرل هاربر. وقد قامت الفكرة على جمع المعلومات من الخارج مهما بلغت درجة سريتها، وتحليلها أكاديميًا، ثم رفعها إلى صانع القرار.
لكن مع اشتداد الحرب الباردة، تغيّر هذا الدور جذريًا. فبحلول عام 1949، تحولت مهمة الوكالة من "معرفة العالم" إلى "تغييره"، عبر العمل السري لمواجهة الشيوعية. ودخلت السي آي إيه مرحلة الانقلابات والمؤامرات السياسية، من إيران ضد حكومة محمد مصدق، إلى دعم قوى سياسية ونقابية في أوروبا، وتنفيذ عمليات سرية وإسقاط عملاء بالمظلات داخل دول المعسكر الشرقي، وصولًا إلى عمليات اغتيال طالت قادة أجانب.
غير أن هذا المسار قاد الوكالة إلى أزمات متلاحقة، بدءًا من فشل غزو خليج الخنازير في كوبا، مرورًا بتداعيات اغتيال الرئيس جون كينيدي، وانتهاءً بفضيحة ووترغيت، التي كشفت استغلال الاستخبارات في الصراعات السياسية الداخلية. ونتيجة لذلك، فُرضت رقابة مشددة من الكونغرس في سبعينيات القرن الماضي، وأُعيد توجيه الوكالة نظريًا نحو مهمتها الأساسية: الفهم والتحليل.
شكّل انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 ضربة قاسية لمصداقية السي آي إيه، بعدما أثبتت الوقائع خطأ تقديراتها التي حذرت سابقًا من تفوق سوفياتي عسكري واقتصادي. ومع غياب "العدو المركزي"، تراجع نفوذ الوكالة في التسعينيات، وخُفضت ميزانيتها، وأُغلقت عشرات محطاتها الخارجية، وتقلص عدد موظفيها بشكل كبير. وبحسب شهادات مسؤولين سابقين، وصلت الوكالة إلى مرحلة ضعف غير مسبوقة، حذّر خلالها قادتها من أن الولايات المتحدة مقبلة على فشل استخباري كارثي إذا لم تُجرَ إصلاحات جذرية في أساليب جمع المعلومات وتحليلها.
قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، كشفت تفجيرات السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998 عن خطورة تنظيم القاعدة، لكن التركيز الأميركي ظل منصبًا على العراق. ومع وصول إدارة جورج بوش الابن إلى الحكم، سادت قناعة بأن إسقاط نظام صدام حسين هو المفتاح لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. وبينما حاولت السي آي إيه لفت الانتباه إلى خطر القاعدة في أفغانستان، قوبلت تحذيراتها بالتجاهل والشك من قبل كبار مسؤولي الإدارة، الذين انشغلوا بملف العراق واعتبروه التهديد الإستراتيجي الأول.
غيّرت هجمات 11 سبتمبر المعادلة بالكامل. فبعد وقوعها، انطلقت "الحرب العالمية على الإرهاب"، واعتمدت واشنطن خطة واسعة النطاق شملت عمليات سرية في عشرات الدول، وتعاونًا مكثفًا مع أجهزة استخبارات أجنبية، واستخدام المال والسلاح والتكنولوجيا مقابل ملاحقة المشتبه فيهم. في أفغانستان، اعتمدت الخطة على دعم تحالف الشمال لإسقاط طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة. وسقطت حكومة طالبان بسرعة، لكن السؤال الجوهري برز بقوة: ماذا بعد؟
فبحسب شهادات قادة عسكريين ودبلوماسيين، لم تكن لدى الولايات المتحدة أي رؤية واضحة لإدارة البلاد أو بناء دولة مستقرة. ورغم طرح خيار المصالحة مع طالبان في وقت مبكر، رُفض هذا المسار لصالح استمرار الحرب، التي امتدت قرابة عقدين، وانتهت في مفارقة لافتة بعودة طالبان إلى الحكم بعد اتفاق الدوحة عام 2020، ثم انسحاب أميركي فوضوي أعاد إلى الأذهان مشاهد الهزيمة في فيتنام.
بعد الانسحاب، أقر مسؤولون أميركيون بأن الاستخبارات لعبت دورًا محوريًا في الفشل. فبحسب مستشارين سابقين، ساهمت السي آي إيه في ترسيخ الفساد داخل النظام الأفغاني عبر سياسات قائمة على ضخ الأموال دون فهم عميق للمجتمع أو لبنية السلطة. كما اعترف مسؤولون بارزون، بينهم مديرون سابقون للوكالة، بأن الولايات المتحدة دخلت الحرب وهي تفتقر إلى معرفة حقيقية بتنظيم القاعدة، وهو ما أدى إلى قرارات ارتجالية، واستخدام وسائل قسرية، دون تحقيق الهدف الإستراتيجي.
وفي الخلاصة، يرى وينر أن السي آي إيه أخفقت في أداء وظيفتها الأساسية: تقديم استخبارات إستراتيجية تُمكّن صناع القرار من فهم العدو والمجتمع والسياق السياسي. فبينما حققت عملياتها التكتيكية نجاحات محدودة، لم تمنع الهزيمة الكبرى في أفغانستان، حيث انهار مشروع استمر عشرين عامًا خلال أيام معدودة. وهكذا، يضاف فشل أفغانستان إلى سجل طويل من الإخفاقات الإستراتيجية، ويطرح تساؤلات عميقة حول قدرة القوة العظمى على تحويل تفوقها العسكري والاستخباري إلى انتصارات حاسمة في حروب القرن الحادي والعشرين.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة