سوريا تستعد لإطلاق الليرة الجديدة بحذف صفرين وتأجيل فئة الألف: إصلاح نقدي أم تغيير شكلي؟


هذا الخبر بعنوان "سوريا تطلق عملتها الجديدة.. والألف مؤجلة" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
مع اقتراب نهاية عام 2025، تستعد سوريا لإطلاق تحول نقدي هو الأكبر في تاريخها الحديث، حيث أعلن مصرف سوريا المركزي عن طرح الليرة السورية الجديدة مطلع كانون الثاني 2026، وذلك بعد حذف صفرين من العملة المتداولة حاليًا. تصنف الحكومة هذه الخطوة ضمن "الإصلاحات النقدية" التي تهدف إلى تبسيط التعاملات وتقليل الأعباء الفنية والمحاسبية، في حين يرى خبراء الاقتصاد أنها قد لا تتجاوز كونها إجراءً شكليًا ما لم ترافقها إصلاحات اقتصادية أعمق.
جولات خارجية لتجهيز العملة الجديدة
خلال عام 2025، كثّف المصرف المركزي السوري جهوده لتجهيز العملة الجديدة. في هذا الإطار، قام حاكم المصرف، عبد القادر الحصرية، برفقة وزير المالية، محمد يسر برنية، بزيارة عدد من شركات طباعة العملات في دول مختلفة، منها روسيا والإمارات. ووفقًا لما أعلنه الحاكم سابقًا، فقد اطلع الوفد على مراحل تجهيز العملة وخصائصها الأمنية، وذلك ضمن خطة شاملة لطباعة فئات جديدة تتميز بتقنيات حماية متطورة ضد التزييف. وأوضح الحصرية أن عملية طرح الليرة السورية الجديدة ستتم عبر شبكة واسعة تضم 66 شركة وأكثر من 1000 منفذ توزيع في مختلف المحافظات، بهدف تسهيل استبدال العملة الجديدة بالقديمة ضمن جدول زمني يضمن انسيابية العملية دون إحداث ضغوط على المواطنين أو الأنظمة المصرفية.
مرسوم رئاسي يحدد آلية الاستبدال
أصدر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المرسوم رقم "293" لعام 2025، الذي يقضي باستبدال العملة الوطنية ويمنح المصرف المركزي صلاحيات كاملة لتحديد آليات التطبيق وجدول الاستبدال وضخ الفئات الجديدة في الأسواق. ومن المقرر أن يكشف المصرف المركزي عن الهوية البصرية الكاملة للعملة الجديدة والتفاصيل الفنية للفئات الست الأولى، في مؤتمر صحفي يعقده الحاكم في 28 من كانون الأول الحالي، يليه حفل رسمي لإطلاق العملة في بداية العام الجديد.
فئات جديدة وتأجيل للألف.. دعوة لعدم الاندفاع
سيتم البدء بست فئات نقدية هي: 5، 10، 25، 50، 100، 500 ليرة سورية (جديدة). أما فئة 1000 ليرة سورية، فسيجري تأجيل طرحها إلى المرحلة الثانية من عملية الإصدار، بينما ستتم طباعة فئة الليرة السورية الواحدة ولكنها ستكون رمزية، وفقًا لما أكده مصدر إعلامي مطلع لعنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه). واعتبر المصدر ذاته أن الهدف الأساسي من العملة الجديدة هو "تحسين خدمة التداول، مع استمرار صلاحية ومفعول العملة القديمة وقوتها الإبرائية"، وأنها ستكون مقدمة للتطوير والتنمية الاقتصادية. وشدد المصدر على أهمية توعية المواطنين بعدم الاندفاع لاستبدال الليرة الجديدة بالقديمة بدافع "الفضول أو الخوف"، لتجنب استغلال شركات الصرافة التي قد تبيع الليرة بسعر منخفض عن قيمتها الحقيقية. كما أشار إلى أن الضغط على استبدال العملة قد يؤدي إلى الضغط على العملات الأجنبية الأخرى المتداولة، علمًا أن حجم المخزون الحكومي من الدولار لا يتجاوز ثلاثة مليارات دولار. وبيّن المصدر أن نص المرسوم الرئاسي سيؤكد على القوة الإبرائية للعملة القديمة بكل فئاتها ما دامت موجودة في التداول، مؤكدًا أهمية عدم الاندفاع على الأقل خلال الشهر الأول، لتفادي تعرض الاقتصاد السوري لـ"الدولرة أو التضخم".
ووفقًا للمصدر ذاته، تصل نسبة التغطية الذهبية للعملة النقدية الجديدة إلى 65%، إذ ليس من الضروري أن تكفي الأصول التي بحوزة المصرف المركزي مضافًا إليها الاحتياطي الذهبي لديه البالغ نحو 26 طنًا لتغطية العملة النقدية الجديدة بالكامل. وكشف المصدر أيضًا أن المصرف المركزي بتاريخ 8 من كانون الأول 2024، كان مدينًا للقطاع المصرفي السوري بمبلغ 37 تريليون ليرة سورية، وتمكن بفضل إجراءاته وجهوده من تقليص هذا الدَّين إلى 19 تريليون ليرة سورية، ولم يضطر حتى تاريخه إلى الاستدانة من وزارة المالية السورية. وتحوي العملة الجديدة، بحسب تصريحات سابقة للحاكم، ميزات أمنية متقدمة تسهّل التحقق منها، إلى جانب لمسات تصميمية تساعد ضعيفي البصر والمكفوفين على استخدامها، مما يضعها في مستوى التقنيات الحديثة المتبعة في الدول التي جددت عملاتها خلال السنوات الماضية.
خبير: خطوة شكلية دون إصلاحات أعمق
على الرغم من الطابع الإصلاحي الذي تحاول الحكومة إظهاره لخطوة استبدال الليرة، حذر الخبير الاقتصادي وعضو الهيئة التدريسية في جامعة "اليرموك" الخاصة، الدكتور محمد تيسير الفقيه، من تجاهل المخاطر الاقتصادية والقانونية المرتبطة بحذف الأصفار. ويرى الفقيه أن حذف الصفرين لا يعدو كونه "تغييرًا شكليًا" ما لم ترافقه إجراءات مالية حقيقية، ويحذر من عدد من المخاطر أبرزها: عودة معدلات التضخم للارتفاع إذا استمر تمويل العجز بطباعة النقود، تعزيز ظاهرة "الدولرة" مع احتمال فقدان مزيد من الثقة في الليرة المحلية، تحويل المدخرات إلى الدولار والذهب والعقار، تكاليف مالية وإدارية مرتفعة تتعلق بطباعة النقود الجديدة وتعديل الأنظمة المحاسبية والعقود، بالإضافة إلى ارتباك في الأسواق والتسعير يمنح التجار فرصة للتلاعب ورفع الأسعار.
التضخم وسعر الصرف والقدرة الشرائية
شدد الدكتور الفقيه على أن حذف الأصفار لا يعالج التضخم، بل قد يزيده إذا ترافق مع ضخ نقدي إضافي، كما يرى أن سعر الصرف لا يتأثر بهذه الإجراءات الشكلية، بل يخضع لعوامل العرض والطلب والاحتياطيات. ويحذر الفقيه من احتمال ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات تتجاوز 15 ألف ليرة قديمة إذا فقدت العملة الجديدة ثقة السوق. وعن القدرة الشرائية، أكد أن قيمة الليرة نظرية لا تتغير، لكن الفوضى السعرية المتوقعة قد تضعف دخول السوريين بشكل ملموس، ولا سيما أصحاب الدخول الثابتة.
تسهيل التعاملات وتحسين المظهر المحاسبي
يصر مصرف سوريا المركزي على أن تعديل العملة وحذف صفرين منها لن يؤثر على القيمة الحقيقية للدخول أو المدخرات أو الالتزامات المالية، معتبرًا أن التغيير "اسمي فقط". وتؤكد البيانات الرسمية أن الهدف الأساسي من الخطوة هو: تسهيل العمليات النقدية اليومية، تبسيط السجلات المحاسبية والفواتير، تقليل حجم الكتلة الورقية المتداولة، ورفع مستوى الميزات الأمنية في العملة. كما أشار المصرف المركزي إلى نيته إعادة فتح فروعه في المناطق الخارجة سابقًا عن سيطرته، بما فيها محافظة إدلب، في خطوة تهدف إلى توسيع الانتشار المصرفي خلال عملية الاستبدال.
ثغرات قانونية قد تعرقل التنفيذ
أشار الخبير الفقيه إلى قصور قانون النقد الأساسي (رقم 23/2002) عن التعامل مع حالات تغيير العملة، إذ يفتقر إلى مواد واضحة تحدد كيفية تحويل العقود والرواتب والديون والإيجارات. ويقترح إدراج مواد قانونية جديدة تنص على: اعتماد نسبة التحويل 100 ليرة جديدة = 10,000 ليرة قديمة، منع أي "تقريب صعودي" في الأسعار، فرض عقوبات على التلاعب بالعقود، منح فترة انتقالية لقبول العملتين معًا، وتعديل الأنظمة المصرفية والمحاسبية بما يضمن الدقة والشفافية. وأكد الفقيه أن قانون النقد الأساسي يمكن أن ينظم العلاقة بين العملة الجديدة والقديمة خلال فترة الانتقال، لكنه يمنح مجلس النقد والتسليف صلاحيات واسعة في التنفيذ. فالمواد "47، 48، 49" من قانون النقد تنظم سحب العملات وتحدد مهلًا زمنية لا تقل عن ستة أشهر، لكنها لا تحدد نسبة التحويل أو قواعد التعايش بدقة، ما يجعل الأمر رهنًا بقرارات المصرف المركزي. وشدد الخبير ذاته على أن النهج المشترك بين القانون والقرارات التنفيذية ضروري لضمان استقرار العملية ومنع النزاعات القانونية.
فترة انتقالية قد تمتد لسنوات
وفق تقديرات الفقيه، فإن تطبيق عملية حذف الأصفار بشكل كامل يحتاج إلى فترة انتقالية تتراوح بين سنة واحدة وخمس سنوات، يمر خلالها العمل بعدة مراحل: تحديث الأنظمة المصرفية وتدريب الموظفين، إطلاق رسمي في كانون الثاني 2026، وتعايش بين العملتين حتى نهاية 2026 على الأقل، وقد تتوسع الفترة بحسب ظروف السوق. ويعتمد النجاح في إدارة هذه العملية، وفق الخبير، على استقرار سعر الصرف، ونجاح حملات التوعية، وضبط المضاربات، إضافة إلى تعاون المؤسسات الاقتصادية.
مستقبل العملة غير محسوم
يبدو أن سوريا تدخل مرحلة نقدية جديدة تحمل الكثير من الوعود، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى بيئة اقتصادية وسياسية مستقرة لتحقيق أهدافها. وبينما يراهن المصرف المركزي على أن تحديث العملة سيعيد الثقة بالنظام النقدي، يخشى الخبراء من أن تفقد العملة الجديدة قيمتها سريعًا إذا لم ترافقها إصلاحات مالية وإنتاجية عميقة. ورغم الإعلان رسميًا عن أن 1 من كانون الثاني 2026 سيكون موعد إطلاق العملة السورية الجديدة، فإن مستقبلها سيعتمد إلى حد كبير على قدرة الحكومة على ضبط الأسواق، ومعالجة العجز، وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي يضمن ثبات العملة واستقرار أسعارها.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد