الزراعة في الساحل السوري: تحديات وفرص استعادة الدور الاقتصادي مع التركيز على الحمضيات


هذا الخبر بعنوان "كيف تستعيد الزراعة في الساحل مكانتها في الاقتصاد الوطني؟.. الحمضيات نموذجاً" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تصف نهلة أبو تك وضع الزراعة في الساحل السوري بأنه يمر بمرحلة دقيقة، حيث تتشابك التحديات المتراكمة مع توجه حكومي صريح يهدف إلى استعادة مكانة هذا القطاع الحيوي، الذي يُعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية. في محافظة اللاذقية، التي تتميز بخصوبة أراضيها ومناخها المعتدل ووفرة مياهها، تلوح فرصة حقيقية لإعادة تفعيل الدور الاقتصادي للزراعة، شريطة تبني رؤية متكاملة تجمع بين آليات الدعم الفعال والتنظيم المحكم وتشجيع الاستثمار.
يواجه مزارعو الساحل صعوبات واقعية، أبرزها التكلفة المرتفعة للإنتاج الزراعي، نتيجة لارتفاع أسعار الأسمدة والبذور ومستلزمات الزراعة الأخرى، بالإضافة إلى تداعيات الجفاف على المحاصيل. هذه العوامل، التي غالبًا ما تكون خارجة عن السيطرة المباشرة للمزارع، حولت استمرارية النشاط الزراعي إلى عبء اقتصادي كبير على قطاع واسع منهم. وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور مازن فريج، الخبير في الاقتصاد الزراعي، على ضرورة استجابة مدروسة لهذه التحديات، مشيرًا إلى أن تخفيض تكاليف الإنتاج من خلال الدعم والتسهيلات يمثل حجر الزاوية لأي سياسة زراعية ناجحة، كونه يوفر الحماية للمزارع ويضمن قدرته على الاستمرار.
ويوضح الدكتور فريج أن دعم المزارع لا ينبغي أن يقتصر على توفير مستلزمات الإنتاج فحسب، بل يجب أن يتسع ليشمل تنظيم السوق الزراعي بشكل فعال. يتطلب ذلك تحديد أسعار عادلة للمنتجات، وتطبيق آليات شراء واضحة وشفافة، بالإضافة إلى توسيع قدرات التخزين والتوضيب. ويشدد على أن التوجه الحكومي الراهن لدعم القطاع الزراعي يتيح فرصة لإعادة تنظيم هذه السلسلة، مما يضمن استقرار دخل المزارع ويقلل من الخسائر الموسمية المتكررة.
تُعتبر الحمضيات المحصول الاستراتيجي الأبرز في الساحل السوري، وتشكل دعامة رئيسية للاقتصاد الزراعي في محافظة اللاذقية. ومع ذلك، يواجه هذا المحصول، على الرغم من غزارة إنتاجه وجودته العالية، تحديات مزمنة تتمثل في صعوبة تسويق الفائض ونقص التصنيع. ويلفت فريج إلى أن جوهر مشكلة الحمضيات لا يكمن في الإنتاج بحد ذاته، بل في مرحلة ما بعد الإنتاج، مؤكدًا أن تكرار خسارة المواسم الزراعية يعكس قصورًا في إدارة هذا المحصول الحيوي.
يقترح فريج أن فتح قنوات تصدير منظمة للحمضيات السورية يمثل حلاً جوهريًا، شريطة الالتزام بالمعايير الدولية المطلوبة وتحسين عمليات الفرز والتوضيب. فمن خلال التصدير المدروس، يمكن للحمضيات أن تتحول من عبء موسمي إلى مصدر اقتصادي حيوي، مستعيدة بذلك دورها في تعزيز دخل المزارعين. ويشدد على الدور المحوري للحكومة في تسهيل هذا المسار.
بالإضافة إلى التصدير، يقدم فريج التصنيع الزراعي كحل مكمل لا غنى عنه، خاصة في مجال إنشاء معامل للعصائر والتجفيف والمنتجات المشتقة من الحمضيات. ويؤكد أن تشجيع إقامة هذه المعامل، سواء من خلال الاستثمار المحلي أو العربي، سيساهم بشكل كبير في استيعاب الفائض من الإنتاج، وخلق فرص عمل جديدة، وتحقيق قيمة مضافة للمحاصيل، بدلاً من تركها عرضة للتلف أو بيعها بأسعار متدنية.
وفي إطار هذه المقاربة الشاملة، يرى الخبير الزراعي فريج أن الاستثمار العربي في الزراعة السورية يمكن أن يكون رافدًا مهمًا للرؤية الحكومية، عبر توفير التمويل والخبرة والتكنولوجيا، لا سيما في قطاعي التصنيع والتصدير. ويؤكد على ضرورة أن يكون هذا الاستثمار منظمًا، قائمًا على شراكات تحافظ على حقوق المزارعين، وأن يتكامل مع سياسات الدعم الحكومي بدلًا من أن يحل محلها.
ويشدد فريج على أن توفير التسهيلات الائتمانية، وضمانات التسويق، وإشراك المزارعين في المشاريع الاستثمارية، يشكل عناصر أساسية لنجاح أي خطة للنهوض بالقطاع الزراعي، نظرًا لتأثيرها المباشر على تعزيز الاستقرار الاجتماعي في المناطق الريفية.
تقف الزراعة في الساحل السوري اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة مكانتها الاقتصادية، مستفيدة من الدعم الحكومي المتزايد والإمكانات الطبيعية الوفيرة. ويكمن التحدي الأكبر في تحويل هذا التوجه إلى سياسات تنفيذية ملموسة، قادرة على تحويل الأراضي المنتجة إلى اقتصاد زراعي مزدهر. ويختتم فريج حديثه بالتأكيد على أن الزراعة ليست عبئًا على الاقتصاد، بل هي محرك للنمو إذا ما أُديرت برؤية اقتصادية واضحة، تبدأ بدعم المزارع وتتوج بسوق منظم وعمليات تصدير فعالة.
سوريا محلي
سياسة
اقتصاد
اقتصاد