خمس سنوات على رحيل حاتم علي: المخرج الذي أثرى الدراما العربية بمرآة للتاريخ والإنسان


هذا الخبر بعنوان "خمس سنوات على غياب حاتم علي.. المخرج الذي جعل الدراما مرآة للتاريخ والإنسان" نشر أولاً على موقع sana.sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تحل الذكرى الخامسة لرحيل المخرج السوري الكبير حاتم علي، الذي لا يزال اسمه محفوراً في الذاكرة العربية كأحد أبرز المبدعين البصريين الذين أعادوا للتاريخ نبضه الإنساني، ومنحوا الدراما العربية معناها العميق. فبالرغم من وفاته في القاهرة عام 2020، إلا أن إرثه الفني ظل حياً في وجدان الجمهور، الذي رأى في أعماله ما هو أبعد من مجرد قصص تُروى، بل مرايا تعكس الهوية والحرية والوعي في مواجهة الاستبداد والقمع، مؤكداً أن الغياب لا يمحو سيرة من جعل الفن موقفاً، والتاريخ حواراً، والدراما فعلاً للوعي.
وُلد حاتم علي في الثاني من حزيران عام 1962 في الجولان السوري المحتل، وعاش منذ طفولته المبكرة تجربة النزوح الأولى مع عائلته إلى دمشق بعد احتلال الجولان عام 1967. هذه التجربة تركت أثراً عميقاً في وعيه الإنساني والفني. درس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وتخرج منه عام 1986، ليبدأ بعدها مسيرة فنية حافلة جمع فيها بين التمثيل والإخراج والكتابة الدرامية والقصصية، ليصبح لاحقاً من أبرز صُنّاع الدراما في العالم العربي.
شكّل انتقال حاتم علي إلى عالم الإخراج في منتصف التسعينيات نقطة تحول جوهرية في مسيرته. فقدّم أعمالاً تلفزيونية وسينمائية حصدت جوائز عربية مرموقة، قبل أن يرسّخ مكانته عربياً من خلال أعمال تاريخية ضخمة مثل الزير سالم وصلاح الدين الأيوبي، التي تجاوز صداها الحدود السورية ووصلت إلى جمهور واسع في العالم العربي وخارجه.
تميز حاتم علي بقدرته الاستثنائية على إعادة صياغة التاريخ بصرياً، فقاد مشاريع درامية أعادت تقديم سِيَر تاريخية مفصلية، كما في ثلاثية الأندلس، ومسلسل عمر بن الخطاب. وإلى جانب ذلك، تناول الذاكرة العربية الجمعية في أعمال بارزة، وفي مقدمتها التغريبة الفلسطينية، الذي يُعد من أكثر الأعمال العربية تأثيراً وتلقياً نقدياً وجماهيرياً، بوصفه سرداً درامياً مكثفاً لنكبة عام 1948 وما تلاها من تهجير ومعاناة.
لم يكن حاتم علي مخرجاً بمعزل عن واقعه، بل ظل وفياً للإنسان وقضاياه، رافضاً التماهي مع النظام البائد أو تزييف الواقع. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، غادر سوريا في موقف واضح رافض لممارسات النظام القمعية، ليبدأ مرحلة المنفى الثانية في حياته بعد نزوح الطفولة، مؤكداً في مسيرته أن الحرية شرط جوهري للإبداع، وأن الفن لا يمكن أن يُفصل عن الكرامة الإنسانية. ورغم خروجه من سوريا، واصل نشاطه الفني في مصر، حيث أنجز أعمالاً لاقت حضوراً واسعاً، بدءاً من الملك فاروق وآخرها مسلسل أهو ده اللي صار. وكان مسلسله قلم حمرة، الذي فضح فيه بقسوة الانتهاكات التي تطال النساء السوريات في المعتقلات، هو الذي جر عليه نقمة النظام البائد، ففصل من نقابة الفنانين في سنة 2015. كما كان يخطط قبيل رحيله لإخراج مسلسل عن سفربرلك وفيلم عن محمد علي باشا.
حاتم علي، الذي رفض الرقابة بكل أشكالها واعتبرها مؤشراً على عدم قدرة مجتمع ما على تقبل الرأي الآخر، استطاع بصدق رؤيته وعمق أدواته أن يجمع بين القيمة الفنية والشعبية، ليبقى اسمه حاضراً في وجدان المشاهد العربي، بوصفه واحداً من أكثر المخرجين تأثيراً في الدراما العربية المعاصرة.
لا يزال رحيل حاتم علي يثير الألم ذاته على غياب اسم لم يتكرر في الفن العربي. وقد كتب أدباء وفنانون كانوا على علاقة وثيقة به عبارات تنضح بالتقدير والوفاء. تحدث الكاتب سعد فنصة عن الراحل الذي بقي نقياً وحراً حتى آخر أيامه، لم يتعالَ على الواقع إلا بالإبداع، ولم يكن يوماً مع القمع أو ضد حرية شعبه، لتبقى أعماله شاهدة على انحيازه للإنسان والحرية. وشبه الفنان عبد الحكيم قطيفان موت حاتم بعيداً عن وطنه بتغريبة السوريين القسرية، مستذكراً إنساناً حراً وأصيلاً، قريباً من أوجاع الناس وأحلامهم. أما الفنان مكسيم خليل، الذي اشتغل تحت إدارته في عدة أعمال، فكتب عبارة خليقة بأن تبقى ذكرى حية لمخرجنا عندما قال: «قليلون من يعبرون عبور حاتم».
كان فجر التاسع والعشرين من كانون الأول سنة 2020 اليوم الذي شهد وفاة المخرج الكبير حاتم علي عن عمر ناهز 58 عاماً، إثر أزمة قلبية مفاجئة بينما كان يقيم في أحد فنادق القاهرة، بعد أن جاءها بقصد التحضير لعمله الأخير قادماً من كندا التي اختارها ملجأً له. دُفن حاتم علي في دمشق، كما أوصى وتمنى، وكما جسده في لوحة «زيارة خاطفة» بمسلسل ما بتخلص حكاياتنا، عن ذلك المغترب الذي قصد دمشق زائراً فمات فيها ودفن في مقبرة الباب الصغير، تماماً كما حدث معه فعلاً.
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة