الليرة السورية الجديدة: تحديات الحماية في ظل بنى اقتصادية وسياسية هشة


هذا الخبر بعنوان "بنى هشة ونقد ضعيف.. من يحمي الليرة السورية الجديدة؟" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
رأي – أيهم أسد
أصبحت العملة السورية الجديدة واقعاً ملموساً بعد بدء تداولها مطلع عام 2026. لكن التحدي الأكبر الذي يستدعي التفكير العميق بعد هذه الخطوة هو كيفية صون هذه العملة، ودعمها، والحفاظ على قوتها الشرائية. يكمن الجواب ببساطة في أن القضية برمتها باتت مرتبطة بالبنية الاقتصادية والسياسية للدولة. فالعملة الجديدة تتطلب بنية اقتصادية وهوية اقتصادية ورؤية مستقبلية جديدة للاقتصاد السوري، لأن سيادة العملة تنبع من السيادة الاقتصادية للدولة. أليس النقد ظل الاقتصاد؟ فكيف يمكن للظل أن يستقيم إذا كان الأصل معوجاً؟
لكن ما الذي يمنح النقد قوته واستقراره؟ يمكن طرح السؤال بشكل أكثر تحديداً: ما هي مصادر حماية النقد الوطني الجديد؟ وهل تقتصر هذه المصادر على الجانب الاقتصادي فقط، أم تشمل الجانبين الاقتصادي والسياسي معاً؟ هذا يقودنا إلى توسيع نطاق تحليل عوامل قوة العملة من التحليل الاقتصادي البحت إلى حقل تحليل الاقتصاد السياسي للنقد.
تستند الإجابة العلمية عن سؤال "من يحمي النقد؟" إلى النظرية الاقتصادية العامة التي تؤكد أن قوة الاقتصاد، ممثلة بالناتج المحلي الإجمالي وتركيبته، تشكل خط الدفاع الأول عن العملة الوطنية. فالإنتاج النوعي والكمي القادر على تلبية الطلب المحلي، واستغلال الموارد المحلية بكفاءة وفعالية، والذي يقلل من الاستيراد ويوفر فرص عمل لليد العاملة الوطنية، ويعتمد التكنولوجيا والمعرفة أساساً لبنيته وتطوره، هو ما يحمي النقد. فالاقتصاد القوي ينتج نقداً قوياً. فهل يتم العمل على بناء هذه البنية الاقتصادية في سوريا؟
أما خط الدفاع الثاني عن قيمة النقد، فتتمثل في الاحتياطات الأجنبية الدولية، وحصة الدولة في صندوق النقد الدولي، والذهب، والأصول المالية كالسندات التي يملكها البنك المركزي. تستخدم الحكومات هذه المكونات فيما يعرف بـ"تغطية العملة المحلية أو التغطية النقدية" لمواجهة تقلبات قيمة العملة والسيولة المحلية (العرض النقدي الموسع). لكن هذا الخط مستمد في جوهره من خط الدفاع الأول؛ فالاقتصاد القوي هو من ينتج أصولاً مالية واحتياطيات نقدية دولية قوية، ولا يستنزفها بالواردات الكمالية وتحرير التجارة غير المنضبط. وبالتالي، ينتج بنكاً مركزياً قوياً قادراً على حماية النقد. فهل يتم العمل على هذه البنية النقدية في سوريا؟
ويأتي الاستقرار السياسي الداخلي كعامل غير مادي يدعم قوة العملة الوطنية. فالاستقرار السياسي والأمني الداخلي، وغياب التوترات والصراعات الاجتماعية، والسيطرة على العنف المجتمعي والفساد، والثقة بالنظام السياسي وشرعيته وقدرته على إدارة العدالة الاجتماعية بكفاءة، ودرجة حوكمته، والثقة بالمؤسسات السياسية والتشريعات الصادرة عنه، كلها عوامل غير اقتصادية تدعم الثقة في العملة الوطنية، وتشكل أساساً لبنية اقتصادية حقيقية قادرة على إعادة إنتاج الثقة بالنقد. فهل يتم العمل على إنتاج هذه البنية السياسية في سوريا؟
لقد صدر النقد الجديد وانتهى الأمر، لكنه صدر ضمن بنى اقتصادية وسياسية تتسم بالهشاشة. وإن لم تتغير هذه البنى، فلن تكون قادرة على حماية الليرة الجديدة. فالتغيير العميق هو السبيل الوحيد لإنتاج ليرة قوية. ورغم ذلك، ينتظر السوريون مع بداية عام 2026 اقتصاداً قادراً على حماية هذا النقد، ينتظرون اقتصاداً مؤسسياً محوكماً يعرفون من خلاله إلى أين تتجه البلاد. ينتظر السوريون مستقبلهم الاقتصادي، سواء مع نقد قديم بأصفار كثيرة أو نقد جديد بأصفار أقل.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد