المعادن الثمينة في 2026: زخم تاريخي وتحول استراتيجي يعيد تشكيل دور الذهب والفضة عالمياً


هذا الخبر بعنوان "الذهب والفضة في 2026: زخم تاريخي وتحوّل استراتيجي في دور المعادن الثمينة" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تستقبل المعادن الثمينة عام 2026 بزخم قوي، مدعومة بمكاسب تاريخية حققتها في عام 2025، حيث شهد الذهب ارتفاعاً تجاوز 72%، بينما قفزت الفضة بأكثر من 174%. ويُعد هذا الأداء أقوى مكسب سنوي للذهب منذ ما يقارب 46 عاماً. جاءت هذه الارتفاعات اللافتة في ظل بيئة عالمية شديدة التقلب، تميزت بتصاعد الصراعات الجيوسياسية وتزايد الضبابية الاقتصادية، مما دفع المستثمرين بقوة نحو الملاذات الآمنة.
لم يقتصر الأداء الاستثنائي على عام واحد، فقد تفوق الذهب منذ عام 2020 على أداء مؤشر S&P 500، محققاً صعوداً بأكثر من 130% مقارنة بنحو 85% فقط للمؤشر الأميركي. تشير هذه الأرقام إلى تحول بنيوي واضح في سلوك المحافظ الاستثمارية العالمية، وتزايد أهمية الأصول التحوطية على حساب الأصول عالية المخاطر. وقد أسهمت عوامل عدة في ترسيخ هذا الاتجاه الصاعد، منها خفض الفائدة الأميركية، وتراجع العوائد الحقيقية على السندات، وارتفاع مشتريات البنوك المركزية، بالإضافة إلى عودة قوية لتدفقات صناديق الذهب المتداولة. في المقابل، استفادت الفضة من طفرة الطلب الصناعي المرتبط بقطاعات الطاقة الشمسية والبطاريات وأشباه الموصلات، مما أحدث عجزاً هيكلياً بين العرض والطلب ودفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ممهداً لاستمرار الزخم الإيجابي خلال عام 2026.
يدخل الذهب عام 2026 مدعوماً بمجموعة من المحركات البنيوية التي تضعه في صميم مشهد التحوط العالمي. فقد تحولت عمليات الشراء المستمرة من البنوك المركزية إلى عامل دعم استراتيجي دائم، بعدما كانت تُعد سلوكاً دورياً. هذا التحول، خصوصاً منذ تجميد الأصول الروسية في عام 2022، أعاد طرح تساؤلات جوهرية حول مخاطر الاعتماد المفرط على الدولار كعملة احتياط وحيدة. وقد راكمت البنوك المركزية أكثر من 1,000 طن من الذهب سنوياً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مقارنة بمتوسط يقارب 600 طن فقط خلال العقد السابق، في إشارة واضحة إلى إعادة هيكلة النظام الاحتياطي العالمي.
تبرز الصين كأحد أبرز اللاعبين في هذا التحول، حيث سجل بنك الشعب الصيني 13 شهراً متتالياً من مشتريات الذهب حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2025، لترتفع حيازته إلى أكثر من 2,300 طن، تمثل ما يزيد على 8% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي. يُنظر إلى هذا التوجه على أنه محاولة استراتيجية لتقليص الاعتماد على الدولار، وتعزيز مصداقية اليوان كعملة احتياط مدعومة بأصل مادي يتمتع بالاستقرار والقبول العالمي. ومن المتوقع أن تظل تدفقات صناديق الذهب المتداولة إيجابية خلال عام 2026، مدعومة بتوقعات استمرار السياسات النقدية التيسيرية والمخاوف الاقتصادية العالمية. وقد شهدت الهند أعلى تدفقات تاريخية خلال عام 2025، مما يمهد لتوسع إضافي في الطلب الاستثماري، بالتوازي مع تنامي حيازات الذهب في أوروبا والصين، لا سيما في ظل ضعف العملات المحلية.
كما تشير التوقعات إلى أن السياسة النقدية العالمية، خصوصاً في الولايات المتحدة، ستواصل لعب دور داعم للذهب. فكل تراجع في العوائد الحقيقية يقلل كلفة الفرصة البديلة، ويعزز جاذبية الذهب كأصل غير مدر للعائد. ويضاف إلى ذلك استمرار المخاوف المتعلقة بتآكل القوة الشرائية للعملات الورقية، نتيجة الضغوط التضخمية، وتضخم الدين العام العالمي، وتراجع الثقة في الأطر النقدية التقليدية.
على المستوى الجيوسياسي، لا تزال التوترات تلعب دوراً محورياً في دعم الذهب، بدءاً من الصراع في الشرق الأوسط، مروراً بالحرب في أوكرانيا، وصولاً إلى تصاعد التوتر التجاري والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين. كما ساهمت التقلبات المتكررة في سياسات الرسوم الجمركية الأميركية، والتغييرات المفاجئة في التوجهات التجارية، في زيادة تقلبات الأسواق وإضعاف الدولار، مما دفع المستثمرين إلى تعزيز مراكزهم في الأصول الآمنة وعلى رأسها الذهب. اقتصادياً، تزداد احتمالات تباطؤ النمو العالمي خلال عام 2026، مع ضعف الإنفاق الاستهلاكي، وتباطؤ سوق العمل، وضغوط على أرباح الشركات، مما يعزز الطلب المؤسسي على الذهب كأداة موازنة في المحافظ الاستثمارية في مواجهة ضعف أداء الأسهم والسندات.
أما الفضة في عام 2026، فتدخل مرحلة أكثر حساسية وتعقيداً، مدفوعة بعجز هيكلي متفاقم في المعروض، يتزامن مع تشديد الصين سيطرتها على سلاسل التوريد العالمية. فقد أعلنت بكين عن قيود جديدة على صادرات الفضة اعتباراً من الأول من يناير 2026، تفرض شروطاً صارمة للحصول على تراخيص التصدير، من بينها حد أدنى للإنتاج السنوي يبلغ 80 طناً، ومتطلبات تمويلية تصل إلى نحو 30 مليون دولار، مما يؤدي فعلياً إلى إقصاء المصدرين الصغار والمتوسطين من الأسواق الدولية.
تكتسب هذه الخطوة أهمية استثنائية في ظل سيطرة الصين على ما يقارب 60 إلى 70% من المعروض العالمي للفضة، ما يعني أن أي تقييد للصادرات ينعكس فوراً على توافر المعدن في الأسواق العالمية. ويقارن مراقبون هذه السياسة بالنهج الذي اتبعته الصين سابقاً في سوق المعادن النادرة، حيث مكنها التنظيم الصارم من بسط نفوذ واسع على التدفقات العالمية وإعادة تسعير تلك السلع استراتيجياً. وتأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه سوق الفضة من عجز هيكلي للعام الخامس على التوالي، إذ بلغ الطلب العالمي في 2025 نحو 1.24 مليار أونصة، مقابل معروض لا يتجاوز 1.01 مليار أونصة، مما يخلق فجوة تتراوح بين 100 و250 مليون أونصة سنوياً، مع استمرار توسع الطلب الصناعي.
يُفاقم هذا العجز الانخفاض الحاد في المخزونات الفعلية عبر مراكز التداول الكبرى، حيث تراجعت مخزونات بورصة COMEX بنحو 70% منذ 2020، فيما انخفضت مخزونات لندن بنحو 40%، وسجلت مخازن شنغهاي أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات. وتشير بعض التقديرات إلى أن بعض المناطق لا تمتلك سوى مخزون يكفي 30 إلى 45 يوماً فقط من الاستهلاك الفعلي. هذا الشح انعكس بوضوح في اتساع الفجوة بين السوق الورقية والفضة الفعلية، حيث بلغت نسبة العقود الورقية إلى المعدن القابل للتسليم نحو 356 إلى 1، في حين بات المشترون يدفعون علاوات مرتفعة للحصول على التسليم الفعلي، خصوصاً في الأسواق الآسيوية، مع تداول الفضة الفعلية في شنغهاي بعلاوات مرتفعة تعكس حدة النقص.
على صعيد العرض، لا يزال قطاع التعدين عاجزاً عن الاستجابة السريعة لارتفاع الطلب، إذ إن معظم إنتاج الفضة يأتي كمنتج ثانوي لاستخراج النحاس والزنك، مما يحد من مرونة زيادة الإنتاج. كما أن تطوير مناجم جديدة يستغرق أكثر من عقد من الزمن، في ظل تراجع جودة الخامات وارتفاع التكاليف والقيود البيئية، فيما تبقى إعادة التدوير غير قادرة على سد فجوة المعروض. في المقابل، يشكل الطلب الصناعي ما بين 50 و60% من إجمالي استهلاك الفضة، مدفوعاً بقطاعات الطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، والإلكترونيات، والمعدات الطبية، مع غياب بدائل فعالة في العديد من هذه التطبيقات، مما يعزز حساسية السوق لأي اضطراب في الإمدادات.
بالرغم من متانة هذه العوامل الداعمة للذهب والفضة، فإن البيئة المحيطة بهما في عام 2026 مرشحة لأن تكون أكثر تقلباً وتعقيداً. فتداخل السياسات النقدية المتباينة بين الاقتصادات الكبرى، واحتمالات التغير المفاجئ في مسار الفائدة، إضافة إلى اضطرابات التجارة العالمية وتطورات المشهد الجيوسياسي، كلها عوامل قادرة على إحداث تحركات سعرية حادة في فترات زمنية قصيرة. كما أن اتساع الفجوة بين الأسواق الورقية والمعدن الفعلي يزيد من مخاطر التسعير والسيولة، خاصة في حالات الضغط على التسليم أو تقلص المخزونات. في هذا السياق، تصبح إدارة المخاطر عنصراً محورياً لا يقل أهمية عن الرؤية الاستثمارية نفسها. ويشمل ذلك تحديد أحجام المراكز بعناية، وتنويع أدوات التعرض بين المعدن الفعلي والمنتجات المالية، ومراعاة مستويات السيولة، إضافة إلى استخدام استراتيجيات تحوط مرنة قادرة على امتصاص الصدمات المفاجئة. أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد