السوريون بعد عام من التحرير: تفاؤل حذر وثقة متزايدة بالمؤسسات الرسمية


هذا الخبر بعنوان "استطلاع وطني: غالبية السوريين ينظرون بإيجابية لمسار البلاد بعد عام على التحرير" نشر أولاً على موقع sana.sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣١ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
كشف استطلاع وطني واسع للرأي العام أن غالبية السوريين ما زالوا ينظرون بإيجابية إلى مسار بلدهم بعد مرور عام على التحرير، مع ملاحظة تباينات في التقييم بين مختلف المناطق، وارتفاع ملحوظ في مستوى التوقعات للمرحلة المقبلة. هذا الاستطلاع، الذي أجرته شركتا “إنفستيميت” (Investimate) و”بوصلة أسواق سورية والمشرق”، شمل ألفاً و62 مشاركاً من جميع المحافظات السورية، وذلك في الفترة ما بين 30 من تشرين الثاني و5 من كانون الأول 2025. وقدَّم الاستطلاع صورة شاملة لمزاج الشارع السوري بعد عام من سقوط النظام البائد والتحول السياسي الذي شهدته البلاد.
أظهرت نتائج المسح تفاؤلاً عاماً ممزوجاً بحذر نابع من التجربة، حيث رأى قرابة أربعة من كل خمسة مشاركين أن أداء الحكومة كان “جيداً” أو “جيداً جداً”. كما يعتقد نحو 85 بالمئة أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح. وعبر نحو 69 بالمئة عن شعورهم بحرية كاملة أو كبيرة في التعبير عن آرائهم السياسية، وهو ما كان مفقوداً خلال حقبة النظام البائد. وعلى الرغم من أن نسبة السوريين الذين يرون أن بلدهم تسير في الاتجاه الصحيح قد تراجعت من نحو 94 بالمئة إلى 85 بالمئة مقارنة باستطلاع مماثل أُجري في كانون الثاني 2025، إلا أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة، مما يعكس – وفقاً لتحليلات – انتقال الشارع من تفاؤل اللحظة الأولى بعد التغيير إلى تقييم أكثر واقعية لمسار بناء الدولة.
وفيما يتعلق بالثقة بالمؤسسات الرسمية، أظهرت النتائج مستويات عالية بشكل عام. فقد عبّر نحو 83 بالمئة من المشاركين عن ثقتهم برئيس بلادهم الرئيس أحمد الشرع، و77 بالمئة عن ثقتهم بالأمن العام والأجهزة الأمنية. وبلغت الثقة بالسلطة القضائية نحو 73 بالمئة، وبشرطة المرور 71 بالمئة. في المقابل، سجل مؤشر الثقة بالجيش العربي السوري نسبة أقل نسبياً مقارنة ببقية المؤسسات، حيث بلغت 64 بالمئة. وفي هذا الصدد، أوضح فراس الكيّال، الرئيس التنفيذي لشركتي “إنفستيميت” و”بوصلة أسواق سورية والمشرق”، أن هذا التفاوت يمكن فهمه في ضوء الأحداث التي شهدتها بعض المناطق، بالإضافة إلى تصورات تتعلق بقدرات الجيش الحالية، خاصة فيما يخص ضبط الخروقات على الحدود الجنوبية.
على صعيد العلاقات الخارجية، عكست نتائج الاستطلاع توجهاً شعبياً واضحاً نحو الشراكات البراغماتية. تصدرت السعودية قائمة الشركاء الاقتصاديين المفضلين، تلتها الولايات المتحدة ثم تركيا. بينما مالت الكفة في الشراكات السياسية والأمنية نحو تركيا والولايات المتحدة. وأبدى نحو 84 بالمئة من المشاركين تأييدهم للتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة تنظيم “داعش”، مما يشير إلى أولوية ملف الأمن لدى شريحة واسعة من السوريين. في المقابل، لا يزال ملف السلام مع إسرائيل موضع تباين، فبرغم ارتفاع نسبة المؤيدين لاتفاق سلام إلى 41 بالمئة مقارنة بـ20 بالمئة في دراسات سابقة، فإن 59 بالمئة من المشاركين ما زالوا يرفضون إبرام اتفاقية من هذا النوع. ويرى محللو الشركتين أن هذا المزيج يعكس انتقالاً تدريجياً نحو مقاربة تقوم على حساب الأثر المباشر للشراكات على حياة الناس، بعيداً عن الشعارات العامة.
وفي قراءة سياسية للمشهد، علّق فراس الكيّال بأن الشارع السوري بات أكثر استعداداً للفصل بين القضايا، والتعامل مع كل ملف من زاوية ما يضيفه للأمن والكرامة وفرص العمل، معتبراً أن هذا التحول بطيء لكنه عميق، ويعبر عن نضج متزايد في الوعي السياسي. يذكر أن البلاد بدأت مرحلة سياسية جديدة في 8 من كانون الأول 2024، بعد تمكن الثوار من دخول العاصمة دمشق، بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع (قائد إدارة العمليات العسكرية وقتها)، معلنين الإطاحة بحكم آل الأسد (1970-2024)، في لحظة انتظرها السوريون منذ عقود.
منذ ذلك الحين، تواصل الحكومة السورية الجديدة جهودها لتثبيت الأمن والاستقرار، وملاحقة فلول النظام البائد الذين يسعون إلى إثارة اضطرابات أمنية، ولا سيما في منطقة الساحل السوري التي فر إليها كبار ضباط النظام البائد. وبالتوازي مع ذلك، تعمل الحكومة على معالجة الإرث الثقيل الذي خلفته المرحلة البائدة، بما يشمل التحديات الاقتصادية والخدمية والفساد الذي شكل سمة العهد البائد، في محاولة لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قانونية ومؤسسية. وبعد عام على التحرير، تعكس نتائج الاستطلاع مشهداً مركباً من التفاؤل الواسع، والثقة الملحوظة بالمؤسسات، والوعي المتزايد بأن مرحلة الاستقرار يجب أن تُترجم إلى خدمات أفضل وعدالة تشمل جميع السوريين. وفي هذا الإطار، تبذل الحكومة السورية جهوداً ملحوظة لبناء نموذج دولة تُدار بالقانون، وتقوم على المساواة بين المواطنين، وحياد المؤسسات، وربط الشرعية بقدرتها على تقديم الأمن والخدمة والعدالة. وحسب هذه القراءة، فإن الأرقام لا تقيس فقط مستوى الرضا، بل ترسم ملامح الدولة التي يتطلع إليها السوريون، دولة تضع المواطن في قلب المعادلة، وتحول فرصة ما بعد التحرير إلى مسار بناء للتخلص من تركة النظام البائد.
سياسة
سياسة
صحة
سياسة