تتواصل ردود الأفعال المتباينة في الأوساط السورية، وخاصة في حلب، بشأن إزالة "تمثال الشهداء" الموجود في ساحة سعد الله الجابري بقلب المدينة. وقد تصاعد الجدل بعد تحطم جزء من التمثال أثناء محاولة نقله، في حين تؤكد محافظة حلب حرصها على سلامة التمثال ومحاسبة المتسببين في الحادث.
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر آلية تحاول نقل التمثال باستخدام كابلات، مما أدى إلى تحطم الجزء العلوي منه. ولم تقتصر الانتقادات على طريقة النقل فحسب، بل شملت الاعتراض على فكرة الإزالة نفسها، حيث اعتبرها البعض تقليلاً من شأن رمزية مهمة لدى سكان المدينة، بينما رأى آخرون أن التمثال لا يحمل أي قيمة معنوية، بل يرمز إلى قتلى النظام البائد.
ما دلالة التمثال؟
أوضح المفكر السوري يوسف العوض الصويري، في تصريح لحلب اليوم، أن التمثال يمثل "شهداء البعث"، أي قتلى النظام البائد وأعوانه من حزب البعث خلال أحداث الثمانينيات الدامية في حلب، وليس رمزًا وطنيًا كما يعتقد البعض. ويرى الصويري أنه لا مبرر لوجود التمثال، مستندًا إلى أن "ما بني على باطل فهو باطل"، وأن حزب البعث جلب الويلات للوطن.
وأكد الصويري أنه متأكد من وجود وثائق تثبت ذلك، مشيرًا إلى أن كل ما تم تدشينه في زمن الحكم البائد كان يخص البعث والنظام، مع تجاهل تضحيات الآخرين. وشدد على أن التمثال يمثل تخليدًا لتضحيات عناصر حزب البعث خلال المواجهات مع الإخوان المسلمين في حلب، ويعتبر اليوم "انتصارًا للبعث"، وبالتالي فهو يمثل سردية السلطة وليس الشعب، ووجوده كنصب وطني جامع هو تزوير للذاكرة الجمعية.
يُذكر أن التمثال من صنع النحات السوري عبد الرحمن مؤقت في العام 1985، وهو مصنوع من حجارة المدينة الصفراء، ويعتبره البعض من رموز المدينة. إلا أن العديد من النشطاء والمثقفين يرون أن هذا الاعتقاد غير دقيق، حيث يشير أحمد مصري إلى أن التمثال يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين، وأنه لم يجد مرجعًا موثقًا يوضح من هم "الشهداء" الذين يخلدهم التمثال.
ويرى مصري أن التمثال لم يكن واضح الحضور في الوعي البصري لجمهور المدينة، وأن الكثير من أهالي حلب لم يكونوا يعرفون تفاصيله قبل أعمال التأهيل الأخيرة في الساحة. ويتساءل عما إذا كان يمكن اعتبار التمثال رمزًا من رموز المدينة إذا لم يكن له هذا الحضور الرمزي أو الثقافي.
ويضيف أن إعادة تصميم وتطوير ساحات العالم أمر صحي وطبيعي، لكن ما يؤسف له هو طريقة الإزالة التي تمت بشكل غير مدروس، على الرغم من التصريحات السابقة التي ذكرت نية الحفاظ على التمثال.
توضيح المحافظة
أعرب محافظ حلب المهندس عزام الغريب عن أسفه للمشاهد التي أظهرت الخلل في نقل "تمثال الشهداء"، مؤكدًا أن ما جرى غير مقبول وسيتم تحميل المسؤولية للجهة المنفذة المخالفة للمعايير. وأوضح أن نقل المجسم تم بموافقة رسمية ضمن خطة تأهيل الساحة وتحويلها لفضاء ثقافي، وأن بعض الأهالي طالبوا بإزالته لارتباطه بمرحلة مؤلمة من تاريخ المدينة.
وشدد على أن نقل التمثال كان قرارًا إداريًا لا يحمل أي خلفيات أيديولوجية، وتعهد بمساءلة فورية لمحاسبة المقصرين في تنفيذ عملية النقل، وترميم التمثال المتضرر تمهيدًا لحفظه في المتحف. كما أشار إلى أن المحافظة ستطلق مسابقة فنية لتصميم بديل يحمل رمزية تعبر عن ذاكرة حلب.
من جانبه، أوضح ملهم عكيدي، معاون محافظ حلب، أن ما جرى في ساحة سعد الله الجابري لم يكن مجرد خطأ تقني، بل كان مشهدًا محرجًا ومحزنًا لا يليق بحلب وأهلها. وأكد أن قرار نقل التمثال لم يكن بدافع عقائدي أو خضوعًا لحسابات تجارية، بل استند إلى رؤية تهدف لإعادة ساحة سعد الله الجابري إلى دورها الطبيعي كساحة عامة نابضة بالحياة.
وأضاف أن الجهة المسؤولة عن النقل قدمت دراسة هندسية تؤكد إمكانية تنفيذ العملية دون التسبب بأي ضرر للتمثال، ولكن ما حدث يعاكس الشروط التي وضعت لتنفيذ عملية النقل، وهي السلامة الفنية والإنشائية واحترام الذاكرة الجمعية لأهل المدينة.
وكانت محافظة حلب قد أطلقت فعاليات مدنية وتطوعية ضمن حملة "لعيونك يا حلب" في ساحة سعد الله الجابري. وأكدت مديرية الآثار والمتاحف في حلب أنها لا تنوي تدمير التمثال، بل تهدف إلى الحفاظ على قيمته الفنية، وأنها نقلت التمثال إلى مكان آخر لترميمه وصيانته.
لكن ظهور صور للتمثال محطمًا أثار الكثير من الأقاويل، فيما طالب آخرون مجلس المدينة بفتح تحقيق شفاف ومعاقبة المسؤولين عن الحادثة. يذكر أن الجدل حول التمثال كان قد بدأ منذ شهر آذار الماضي، حين أعلنت الشركة السورية التركية القابضة – شركة إعمار سوريا عن مشروع لتجميل ساحة سعد الله الجابري، واقترحت حينها إزالة التمثال أو الحفاظ عليه، على أن يقرر ذلك محافظ حلب.