الإثنين, 1 ديسمبر 2025 05:42 PM

إطلاق صحيفة "الثورة السورية" بحلّة جديدة: صفحة جديدة للوطن

إطلاق صحيفة "الثورة السورية" بحلّة جديدة: صفحة جديدة للوطن

بقلم وزير الإعلام حمزة المصطفى مع صعود اقتصاد المنصات الرقمية، تحولت الصورة إلى سلعة، وأصبح التفاعل والمشاهدة مقاييس للمكانة في الفضاء الاجتماعي الافتراضي. الخوارزميات و"السكرول" انتزعت منا حرية الاختيار، لتقدم لنا، وفقًا لقواعد السوق، الأنماط المفضلة والسهلة، وتعززها بالوجوه الجميلة واللقطات السينمائية والعدسات المتطورة. ومع تسارع وتيرة الحياة، تتقلص الخلاصات والتكثيفات في المحتوى، مع مساحة كبيرة للموسيقى والصورة، وهكذا يخبو النص، صاحب الكلمة والشأن، والبداية لكل ما سبق، وتوأد المعرفة المتأنية ويفنى الاختيار.

لطالما كان النص جذر المعرفة وأساس الحضارة والعلوم. الإنسان القديم رسم عالمه قبل أن يكتبه، وكانت الحروف الأولى أقرب للرسومات، لكنها لم تتطور إلا بعد أن نحتت للرموز وتراصت في الكلمة، وحينها انتقل الإنسان من الكهف إلى مسكن أكثر تطوراً. يمكن القول إن الصورة جاءت قبل الكلمة، كما يفعل الطفل، لكن في تاريخ الفلسفة واللاهوت، تعلن الكلمة أسبقيتها. هذه ليست جدلية "الدجاجة والبيضة"، وإنما منطلق قرار إطلاق صحيفة "الثورة السورية"، تأكيدًا على أهمية النص والصورة معًا.

لقد ضرب النظام المخلوع جميع القطاعات، لكنه أعدم الصحافة باكرًا ونصّب عليها صحيفة "ثورته"، ثم دفن الإعلام في السنوات الماضية، وزيّف الحقيقة والوعي وشوّه الصورة والبلاد. فجاءت الثورة السورية لهدم الباطل وإعادة المعنى الأخلاقي والوطني للصحافة والإعلام.

اليوم، ومع إطلاق صحيفة "الثورة السورية" بحلتها الجديدة، نفتح صفحة وطن جديد يخط عليها الصحفيون التقارير والتحليلات والتفسيرات والتثقيف، لتكون الصحيفة مساحة للعقلانية والمعرفة، لا للدعاية والتحشيد، ومساحة للتعددية والحرية المسؤولة، وتغوص عميقًا في القضايا والمجتمع.

جاءت تسمية صحيفة "الثورة السورية" تخليدًا للحدث الأكبر في تاريخ سوريا وإجلالاً لمئات آلاف الشهداء، وتمسكًا بمبادئها العالية في الكرامة والحرية والمواطنة. هي ليست امتدادًا لصحيفة "الثورة"، بل جديدة تليق بوعي السوريين، ودعوة للتشبث بالصحافة المكتوبة الأقدر على تفكيك القضايا وتقديم جرعة معرفية تلحق بما بعد الخبر.

صحيفة "الثورة السورية" هي صفحة جديدة لوطن يزدهر. وبالعودة إلى الحديث عن النص والصورة، وبما أنه لا غنى عنهما معًا، ولا داعي لكسر عادات التصفح، فإن صحيفة "الثورة السورية" منظومة واحدة تقوم على ثلاث منصات: عدد مطبوع فيه نص مكتوب بعناية، وموقع إلكتروني عصري يحضر في نتائج البحث عن سوريا، ومنصات إعلام رقمي تراعي الجيل الجديد وسلوكيات المشاهدة، في عالم تتزاحم فيه الشاشات على جدران بيوتنا وجيوبنا وأكف أطفالنا.

إن إطلاق "الثورة السورية" هو باكورة أعمال "مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر والتوزيع" لإعادة تفعيل الإعلام المحلي في المحافظات من خلال شبكة الصحف المنتشرة في مختلف المناطق، لتكون صوت المحافظات، ومراعاة خصوصية وظروف وأولويات كل منطقة، ابتعادًا عن مركزية لا تقدر وحيدة على التغطية، بل قطاع إعلامي تشاركي ومتكامل.

صحيفة "الثورة السورية" هي عماد مسار الإعلام العام وفق نهج ورؤية وزارة الإعلام، ومنوط بها تقديم خدمة إعلامية للمجتمع، مقابل مسار الإعلام الرسمي المكلف مهمة تقديم سردية الدولة. ومن هذا الأفق تحمل الصحيفة شعارها: "فاصلة الحق.. رافعة العمران"؛ فاصلة تمنح التقاطة نفس فتضبط إيقاع النص ووضوحه، ورافعة للعمران وفق مفهوم ابن خلدون: عمران النفس والقيم والنشأة والنمو واستقامة النظام وحركة الحياة، لا عمران الحجارة فقط. فالكلمة العادلة في مشروعنا الإعلامي جزء من بناء الدولة والمجتمع، كما هي جزء من حفظ الذاكرة ومنع تكرار الخراب.

مشاركة المقال: