يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن إصدار سلسلة جديدة من الأوراق النقدية مع حذف صفرين من الليرة السورية يأتي ضمن قرار مركزي يهدف إلى تحديث الشكل النقدي وتسهيل التداول اليومي. وقد تم التحضير لهذه الخطوة عبر اجتماعات فنية مع البنوك وإبرام اتفاقيات طباعة خارجية، ويرتبط الإجراء بإطار إصلاحي أوسع يهدف إلى استعادة الثقة بالعملة من حيث التصميم والفئات والرسائل السياسية.
ويوضح أستاذ الاقتصاد أن اختيار إصدار ست فئات نقدية خالية من الصور والرموز وتصميم نظيف يعكس هدفين متوازيين: هدف تقني يتمثل في تحسين قابلية التحقق ومقاومة التزوير، وهدف سياسي يتمثل في إعادة تشكيل هوية النقد الوطني بعيداً عن الرموز السابقة. هذا التغيير البصري يمثل إشارة رمزية لبداية مرحلة جديدة، ولكنه يظل محدود الأثر على القيمة ما لم يصاحبه تدابير اقتصادية وسياسية ملموسة.
الآثار التقنية على النظام المصرفي والسيولة
يعتقد قوشجي أن استبدال الأوراق التالفة وضخ فئات جديدة أكثر تطوراً من الناحية التقنية سيحسن انسيابية التداول، ويقلل تكاليف الطباعة والتداول على المدى المتوسط، كما يسهل ضبط الحسابات البنكية، ويساهم في تحديث أنظمة الصراف الآلي، وإعادة تسعير الأرصدة والقروض بما يتوافق مع الوحدات الجديدة. ويشير إلى أن هذه التحسينات تمنح المصرف المركزي فرصة عملية لإعادة حصر الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي وتشجيع إيداعها في البنوك، مما يعالج جزئياً مشكلة نقص السيولة إذا رافقته إجراءات إدارية صارمة.
أدوات ضبط السيولة ومخاطر التنفيذ
من وجهة نظر أستاذ الاقتصاد، فإن نجاح ضبط السيولة لا يعتمد على الطباعة وحدها، بل على قدرة المركزي على تفعيل أدواته: عمليات السوق المفتوحة، احتياطي إلزامي متدرج، قنوات تمويل مؤسساتية، وآليات رقابية للحوالات والحدود. ويوضح أن غياب هذه الأدوات أو قصورها سيحول ضخ الأوراق الجديدة إلى زيادة في السيولة القابلة للمضاربة، مما يعرض السعر الرسمي لضغط نزولي مقابل الدولار ويزيد الفجوة مع السوق الموازية. وفي ظل عدم القدرة على ضبط التسعير وإيجاد طريقة لضبط الأسعار في الأسواق السورية، فإن الرواتب والأجور سوف تنخفض قيمتها الاسمية بمعدل صفرين، ولا بد أن يرافقها انخفاض أسعار السلع والخدمات بالنسبة ذاتها وإلا فستحل كارثة معيشية لجميع فئات الشعب، إذ يجب ضبط السعر الحقيقي للنقود مع السعر الاسمي.
تأثير متوقع على سعر الصرف واحتمال الدولرة
يرى قوشجي أن سيناريو متمكّن سياسياً وتقنياً قد يساهم الإصلاح معه في تثبيت سعر الصرف عبر تقليص التهافت على العملة الأجنبية وتعزيز الثقة المؤقتة بالليرة. بينما في سيناريو ضعيف التنفيذ، قد تؤدي زيادة السيولة المتدفقة من الخارج أو إعادة إدخال مدخرات مهربة إلى ضغوط شرائية على الدولار وتسرّع الدولرة، حيث يتحول الدولار إلى أداة للتسعير والادخار والعقود نتيجة فقدان الثقة بالليرة. احتمال الانتقال إلى دولرة أكبر يبقى وظيفة مباشرة لكفاءة السياسات المرافقة لا لعملية حذف الصفرين نفسها.
شروط نجاح الإصدار وتحويله إلى إصلاح حقيقي
ويؤكد أن إصدار فئات جديدة يصبح محفزاً لإصلاح حقيقي عندما يرافقه: ضبط مالي لخفض تمويل العجز النقدي، سياسة نقدية واضحة للاستهداف ومراقبة الكتلة النقدية، تحديث تشريعي يحمي العقود والديون من التلاعب بقيمتها، وتدابير صارمة لمكافحة غسل الأموال ومنع المضاربات الحدودية. غياب واحد أو أكثر من هذه الركائز يجعل الإصدار تحويلاً شكلياً بلا قدرة على تغيير ديناميكيات التضخم وسعر الصرف. الفرصة قائمة لتحويل عملية إصدار العملة الجديدة إلى نقطة انطلاق لإعادة الثقة واستقرار سعر الصرف، لكن احتمالات النجاح مرهونة بمدى جدية المصرف المركزي والحكومة في تنفيذ حزمة سياسات نقدية ومالية متكاملة وقابلة للتطبيق، وإن لم تُحكم آليات الضبط وتُعالج الأسباب الهيكلية للتدهور الاقتصادي، فستبقى العملة الجديدة واجهة تقنية لذات المخاطر، مع احتمال متزايد للدولرة كنتيجة لفقدان الثقة.
وكان حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحصرية قد كشف أن العملة السورية الجديدة ستصدر بست فئات وستكون خالية من الصور والرموز، لتكون أكثر وضوحاً وسهولةً في التحقق منها، ومنسجمةً مع الاتجاه العالمي نحو التصميم النظيف والمجرّد. وقال الحصرية إن العملة الجديدة ستصدر بفئات مختلفة لتلبية احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، وستتراوح هذه الفئات بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لضمان سهولة التعامل النقدي في الأسواق. وأوضح أن مصرف سوريا المركزي سيعلن عن تفاصيل كل فئة من حيث القيمة والحجم والتصميم في الوقت المناسب، وذلك بعد استكمال الإجراءات الفنية والأمنية الخاصة بالطباعة والإصدار، وفقاً لـ “سانا”.
وقال الحصرية: “الابتعاد عن استخدام الرموز أو صور الأشخاص أو المعالم التاريخية في تصميم العملة الجديدة هو توجه حديث، يهدف إلى تبسيط الشكل البصري، والتركيز على الهوية الرقمية والعملية للعملة، لتكون أكثر وضوحاً وسهولة في التحقق منها، وتنسجم مع الاتجاه العالمي نحو التصميم النظيف والمجرّد، الذي يرمز إلى الشفافية والثقة في النظام النقدي”. وأكد حاكم المركزي أن العملة الجديدة لن تكون “مجرد أرقام”، بل ستكون ذات هوية وطنية معاصرة تعبر عن الحداثة والاستقرار الاقتصادي. ونوه بمواكبة إطلاق العملة الجديدة إجراءات مدروسة من قبل المركزي السوري، لضبط السيولة والحفاظ على استقرار الأسعار، تشمل مراقبة السوق النقدية، وضبط حركة الكتلة النقدية المتداولة، وتفعيل أدوات السياسة النقدية لضمان عدم حدوث تضخم أو مضاربات نتيجة طرح الفئات الجديدة.
وقال الحصرية إن إطلاق العملة السورية الجديدة سيسهم في معالجة جانب من مشكلة نقص السيولة، وخصوصاً من خلال استبدال الأوراق التالفة، وضخ أوراق نقدية حديثة أكثر جودة وتحملاً. وأوضح أن هذا الإجراء سيحسن من انسيابية التداول النقدي في الأسواق دون أن يؤدي إلى زيادة حقيقية في الكتلة النقدية، أي إن الهدف هو “التحديث وليس التوسع النقدي”. وأشار إلى أن إيجابيات إطلاق العملة الجديدة متعددة، وعلى رأسها تعزيز الثقة بالعملة الوطنية وإعطاؤها مظهراً حديثاً ومتطوراً، وتحسين كفاءة التداول النقدي وتقليل تكاليف الطباعة المستقبلية، ودعم النشاط الاقتصادي عبر تسهيل المعاملات التجارية والنقدية، كما سيسهم على المدى المتوسط، في تحسين استقرار سعر صرف الليرة السورية من خلال رفع الثقة بالسياسة النقدية، والحد من التداول بالأوراق التالفة أو المزورة.
محمد راكان مصطفى