دلسوز يوسف - الحسكة
لا يخفي شريف رفيعة، وهو بائع خضار في سوق الهال بمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، استياءه من تراكم القمامة بالقرب من السوق، لما لها من تأثير سلبي على البيئة وانبعاث روائح كريهة في الصيف، مما يؤثر على الصحة العامة. هذه المشاهد المتكررة لانتشار القمامة في شوارع الحسكة تدفع السكان لتقديم شكاوى متزايدة إلى البلدية، مطالبين بإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة التي تؤثر بشكل سلبي على بيئة المدينة، خاصة في ظل التقلبات المناخية التي تشهدها المنطقة.
غياب الوعي البيئي
يرى شريف رفيعة، الذي لا تبعد بسطته سوى أمتار قليلة عن مبنى بلدية الحسكة، أن أصحاب المحلات يتحملون جزءاً من مسؤولية تكدس النفايات، ويعزو ذلك إلى عدم التزامهم بإخراج القمامة في المواعيد المحددة أثناء عمل عمال النظافة في الصباح. ويقول شريف لنورث برس: "كل شخص يلقي اللوم على الآخر، ولكن الحقيقة أننا جميعاً مسؤولون عن هذا الواقع". ويقترح فرض غرامات على من يخرج النفايات بعد الساعة العاشرة صباحاً كحل عملي للحد من التراكم.
تتجاوز مخاوف شريف حدود النظافة لتشمل الأثر المناخي الذي تسببه القمامة، خاصة مع انعدام المياه وارتفاع درجات الحرارة. ويضيف: "القمامة تؤثر مئة بالمئة وسط ارتفاع درجات الحرارة، كما لا توجد مبيدات حشرية والمياه مقطوعة، كل هذه الأمور تجعل التأثير البيئي والصحي مضاعفاً". ويشير إلى أن هذه المشاكل هي نتيجة قلة المياه والوعي البيئي لدى السكان، محذراً من تبعات استمرار الوضع على ما هو عليه.
"تقاعس البلدية وتراجع دورها"
في السوق المركزي في الحسكة، يرى بعض أصحاب المحلات أن البلدية لا تقوم بدورها بشكل كافٍ. ويشير عمار يوسف، وهو صاحب محل تجاري، إلى أن النظافة المتردية في السوق تؤثر مباشرة على حركة البيع والشراء. ويضيف يوسف لنورث برس: "في بداية استلام الإدارة الذاتية للبلدية ضمن السوق بعد سقوط النظام كان العمل جيداً، أما الآن فهناك تراجع. لم تعد هناك حاويات كافية، وسيارات البلدية لا تأتي بشكل منتظم، ولهذا نرى القمامة تتراكم في الشوارع".
ويشير إلى أن قلة التشجير يفاقم من ارتفاع درجات الحرارة في ظل جفاف نهر الخابور، الأمر الذي يؤثر على المناخ. ويتابع يوسف: "لو ألزم صاحب كل محل بزرع شجرة أمام محله، لكنا شعرنا بتحسن بسيط، وحالياً نحن نلتزم بوضع الحاويات لكن البلدية لا تلتزم بالتنظيف". بينما تتكدس النفايات في الطرف الموازي من محله، يقول يوسف إن الحل يكمن في "تكثيف دوريات النظافة والتشجير ورش الشوارع بالماء"، مشدداً على أن الجميع يجب أن يتعاون، ولكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق البلدية، على حد قوله.
نقص الموارد وغياب التعاون
تقول جهان خليل، المسؤولة في قسم الحدائق والتشجير ببلدية الشعب في الحسكة، لنورث برس، إن "البلدية تواجه صعوبات بيئية جسيمة في المدينة، تبدأ من قلة الوعي وتنتهي عند نقص الموارد المادية واللوجستية". وتضيف: "البلدية تبذل كافة جهودها لكنها تصطدم بواقع صعب، حيث نعاني من مشاكل كبيرة في النظافة والتشجير، وأهمها غياب الثقافة البيئية لدى السكان الذين لا يتعاونون معنا في العناية بالأشجار، في حين المياه التي كانت تُستخدم للري قطعت من قبل الدولة التركية، مما أثر سلباً على الغطاء النباتي".
ومؤخراً، بدأت البلدية بالتعاون مع المؤسسات المدنية في الإدارة الذاتية بحملات نظافة دورية في أحياء المدينة في خطوة لتعزيز الوعي البيئي في المنطقة وللحد من انتشار ظاهرة انتشار القمامة والحفاظ على بيئة نظيفة إلا أن هذه الحملات وفق مراقبون، ليست حلول ناجعة بل تحتاج إلى خطة على المدى البعيد تعيد الغطاء النباتي والجمالي للمنطقة.
وتشير خليل إلى أنهم بدؤوا قبل عامين بأعمال مشروع "صفر نفايات"، لفصل النفايات إلى فئات تشمل البلاستيك والمعادن والورق وبقايا الطعام بغية إعادة تدويرها والحد من الرمي العشوائي، وذلك لنشر ثقافة الفرز المنزلي للنفايات. وأثمرت الحملة وفق خليل، عن نتائج إيجابية وهم بصدد توسيعها، إلا أنها شددت على أنهم "بحاجة لتكاتف السكان، فالبلدية وحدها لا تستطيع مواجهة هذا العبء"، على حد وصفها.
كما تشير مسؤولة قسم الحدائق والتشجير، إلى عوامل أخرى تؤثر على بطئ العمل أبرزها "التضخم السكاني نتيجة الحروب مما أدى إلى زيادة كمية القمامة وفاقم الأزمة البيئية، خصوصًا في فصل الصيف حيث تزداد الروائح الكريهة بفعل الحرارة". وأمام تفاقم أزمة النفايات في مدينة الحسكة، يقف الواقع البيئي بين مطرقة نقص الموارد وسندان غياب الوعي والتعاون المجتمعي وتبقى الحلول الجزئية غير كافية لمواجهة خطر بيئي متصاعد.
تحرير: خلف معو