الخميس, 17 يوليو 2025 01:17 AM

الكشف عن خفايا أموال النظام السوري السابق: تسويات سرية وشركات الأوف شور

الكشف عن خفايا أموال النظام السوري السابق: تسويات سرية وشركات الأوف شور

ملف أموال النظام السابق: ما الذي يتم التكتم عليه؟

منذ أيام، نشرت صحيفة "النهار" اللبنانية، نقلاً عن موقع "إنتلجنس" الاستخباري الفرنسي، تقريراً حول ملاحقة أموال بشار الأسد والمقربين منه قانونياً. وأشار التقرير إلى وجود لجنة سرية في القصر الجمهوري بدمشق، مهمتها إجراء تسويات مع كبار رجال الأعمال الذين دعموا النظام السابق.

وذكر الموقع الفرنسي، بحسب "النهار"، اسم شخص يُعرف بـ "أبو مريم الأسترالي"، ووصفته بأنه يترأس هذه اللجنة. لكن الصحيفة ركزت على هذا الاسم بدلاً من التركيز على طبيعة الأموال التي كان يديرها بشار الأسد وحجم الفساد المرتبط بها، وكأنها تشير إلى أن الفساد سينتقل من يد إلى أخرى.

في المقابل، يبدو أن الأمور ليست بهذه البساطة. ويثير صمت الحكومة الجديدة عن هذا الملف وإدارته في الخفاء الشكوك التي أثارتها الصحيفة اللبنانية والموقع الفرنسي.

سبق لي التواصل مع بعض المشرفين على أموال بشار الأسد وحاضنته الفاسدة، وعلى رأسهم مدير مكتبه الاقتصادي، يسار إبراهيم، وحصلت منهم على معلومات عن حجم هذه الأموال والأساليب التي اتبعها النظام السابق ورجالاته لإبقائها تحت سيطرتهم حتى بعد سقوطهم.

ويبدو أن هذا ما يدفع الإدارة الجديدة لإجراء تسويات مع كبار رجال الأعمال الداعمين للنظام السابق، للحيلولة دون ضياع هذه الأموال بالكامل.

في عام 2012، لفت انتباهي انتشار شركات "الأوف شور" في الصفقات التجارية الحكومية. فما هي هذه الشركات، وما سر انتشارها بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011؟

بدأت شركات "الأوف شور"، والتي تعني ما وراء البحار، بالانتشار كوسيلة لغسيل الأموال والتهرب من الضرائب. وكشفت وثائق بنما في عام 2016 أن أغلب عمليات غسيل الأموال كانت تتم عبر شركات الأوف شور، التي استخدمها رجال الأعمال والسياسة لإخفاء أموالهم.

ويقوم نظام الترخيص لشركات "الأوف شور" على إجراءات بسيطة تستغرق شهراً واحداً، ويمكن لأي شخص الحصول عليه عبر الإنترنت وبتكاليف محدودة، دون الكشف عن مصادر أمواله، مع تمتعه بالسرية المصرفية والمعلوماتية. وتوجد أغلب الجهات التي تمنح التراخيص في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تتيح هذه الشركات لحامل الترخيص القيام بعمليات التجارة الدولية بشكل نظامي دون التعرض للمساءلة، كما يحظى بإعفاءات ضريبية كبيرة.

في سوريا، وجد النظام في هذا الشكل من الشركات فرصة للتهرب من العقوبات الاقتصادية الدولية، حيث يمكن لأي شخص الحصول على الترخيص من الشركة الأم الموجودة في بريطانيا، والتي يهمها الحصول على رسوم الترخيص والضرائب السنوية.

تشير المعلومات إلى أنه تم الترخيص لأكثر من ألف شركة "أوف شور" في سوريا بعد الثورة، وبدأت مع رامي مخلوف الذي أسس شركة للنقل التجاري البحري.

حصلنا على معلومات مؤكدة تفيد بأن أسماء الحاصلين على تراخيص هذه الشركات هم أشخاص عاديون يعملون لصالح رجال أعمال كبار ورجال المخابرات والسياسة ممن طالتهم العقوبات الاقتصادية الأوروبية.

من خلال تتبعنا لعمل هذه الشركات، لاحظنا أن إحدى المناقصات لشراء 200 ألف طن قمح من روسيا في 5/7/2017، تقدمت لها شركتان فقط، هما "سيستوس أوف شور" و"غروب أوف شور". وبعد التدقيق، تبين أن الشركتين تعودان لأحد المتنفذين في أجهزة المخابرات، لكنهما مرخصتان باسمين مختلفين.

اللافت أن الحكومة أقرضت الشركة التي رست عليها المناقصة مبلغ 1.7 مليار ليرة سورية، مما سمح لها بتحقيق أرباح طائلة بعد بيع طن القمح للدولة بسعر أعلى.

أول ما واجهته الإدارة الجديدة هو أن جميع الشركات التي يملكها بشار الأسد وأعوانه هي شركات "أوف شور"، أي مرخصة خارجياً بأسماء أشخاص غير معروفين، كما حدث مع الشركة التي سيطرت على محطة دير علي للكهرباء ومطار دمشق الدولي، والتي كانت تحمل اسم "إيلوما" وتعود ملكية ثلثي أسهمها لرزان حميرة وراميا حمدان.

يرى قانونيون أن هذه الشركات يصعب السيطرة عليها ومصادرة أموالها، لأنه من الصعب إثبات ملكيتها للأشخاص الحقيقيين ممن عليهم عقوبات اقتصادية، ويحتاج الأمر إلى سنوات طويلة من الدعاوى الدولية وتكاليف مالية هائلة.

إغلاق هذه الشركات ومنعها من مزاولة العمل في سوريا سيكون له ضرر كبير، لأن بعضها يؤدي خدمات أساسية، مثل شركات الاتصالات. ويقال إن شركة "سيريتل" تم ترخيصها كشركة "أوف شور"، بالإضافة إلى شركات محمد حمشو وسامر فوز ويسار إبراهيم وغيرهم.

لذلك، يبدو أن الدولة لجأت إلى التفاوض مع مالكيها الحقيقيين عبر إجراء تسويات معهم، تستعيد الدولة بموجبها ملكية هذه الشركات مع بعض التنازلات، في سبيل المصلحة العامة.

وهذا ما حصل مع مجمع "جونادا" السياحي في طرطوس، الذي يقال إن ملكيته الحقيقية تعود ليسار إبراهيم، بينما ملكيته الوهمية تعود لخمسة أشخاص غير معروفين. لذلك استطاعت الدولة استعادة هذا المنتجع واستثماره من جديد.

يقال أيضاً إن هناك مفاوضات سرية مع رامي مخلوف وسامر فوز ويسار إبراهيم وغيرهم من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق والذين يملكون شركات "أوف شور"، من أجل تخليصهم من هذه الشركات بأقل قدر ممكن من الخسائر للاقتصاد الوطني، إذ تشير المعلومات إلى أن حجم هذه الشركات وأصولها المالية تقدر بعشرات مليارات الدولارات.

يبقى السر في الكتمان الحكومي، الذي يدفع الآخرين لتفسيره على أنه استبدال فساد بفساد آخر. فما المانع أن يخرج أحد من الدولة ويشرح ما يجري العمل عليه وأهميته، ثم يوضح الآلية التي سيتم بها إدارة هذه الأموال المنهوبة والمستعادة لملكية الدولة؟

نضع هذا السؤال برسم المعنيين، آملين الإجابة والتوضيح.

مشاركة المقال: