الخميس, 27 نوفمبر 2025 04:52 PM

باباوات من أصول سورية ولبنانية: نظرة على جذور الكنيسة الكاثوليكية

باباوات من أصول سورية ولبنانية: نظرة على جذور الكنيسة الكاثوليكية

شبكة أخبار سوريا والعالم/ بمناسبة زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، المقررة بين 30 تشرين الثاني الحالي و2 كانون الأول المقبل، نستعرض محطات من حياة باباوات تعود أصولهم إلى لبنان أو فينيقيا. هذه الشخصيات سبق أن ذكرها الأب إميل إده في مقال نشر في صحيفة "النهار" بتاريخ 16 أيلول 2012، ولكننا هنا نتوسع في تناول هذه المحطات.

البابا القديس أنيشيتوس (155 – 166)

هو البابا العاشر للكنيسة الكاثوليكية، وقد تم اختياره بعد وفاة البابا القديس بيوس الأول. تشير المعلومات إلى أنه ينحدر من مدينة حمص السورية، وكان شخصية معروفة في روما حيث قضى معظم حياته.

من الأحداث البارزة في فترة حبريته، الحوار الذي جرى مع القديس بوليكربوس، أسقف سميرنا، حول قضايا خلافية بين الجماعات المسيحية، أبرزها تحديد موعد موحد للاحتفال بعيد الفصح. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق بين كنيسة الشرق وكنيسة الغرب.

كانت المجتمعات المسيحية في آسيا الصغرى تحتفل بالفصح في الرابع عشر من شهر نيسان، بغض النظر عن يوم الأسبوع، وهو نفس توقيت عيد الفصح اليهودي. في المقابل، كانت كنيسة روما والمجتمعات الغربية تحتفل به في يوم الأحد الذي يلي الرابع عشر من نيسان، رمزاً لقيامة المسيح في يوم الأحد.

يعتبر البابا انيشيتوس أول من أوصى الكهنة بتقصير الشعر وارتداء الثوب الأسود البسيط، ومنع رجال الدين من ارتداء الثياب الفضفاضة والمتعددة الألوان إلا في المناسبات الدينية.

تعتبر التقاليد البابا أنيشيتوس شهيداً، حيث استشهد خلال اضطهاد الإمبراطور الروماني لوسيوس فيروس، ودفن في الفاتيكان. يحتفل بعيده في 17 نيسان من كل عام.

البابا يوحنا الخامس (685 – 686)

ولد في إنطاكية حوالي العام 630، ثم انتقل إلى روما حيث عاش معظم حياته.

في العام 685، خلف البابا بنيديكتوس الثاني في منصب البابا. يعتبر اختياره، وفقاً لبعض المراجع، تحولاً مهماً بعد فترة من السيطرة البيزنطية القوية على انتخاب الباباوات في روما، حيث كان مرشحاً يحظى بشعبية كبيرة بين العامة ورجال الدين.

من الأمور الهامة المرتبطة به، أنه قبل فترة ولايته كان يجب على البابا المنتخب الحصول على موافقة من الحاكم البيزنطي في رافينا قبل تنصيبه، ولكنه نصب فور انتخابه دون انتظار الموافقة. كما واجه ضغوطاً كبيرة بسبب الضرائب الباهظة التي فرضتها الإدارة البيزنطية على ممتلكات الكنيسة في روما وإيطاليا.

من أهم مبادراته إدخال كنائس سردينيا في الإدارة الكنسية المركزية في روما.

القديس سرجيوس الأول (687 – 701)

خلف البابا يوحنا الخامس بعد وفاته في العام 687. ولد في باليرمو (صقلية) في العام 620 لعائلة فينيقية هاجرت من الشرق (تعود أصول العائلة إلى إنطاكيا).

تلقى تعليماً جيداً وانضم إلى سلك الكهنوت في روما، حيث ترقى في المناصب وأصبح كاهناً معروفاً بالتقوى والكفاءة.

كان البابا سرجيوس الأول أول من أثبت السلطة الزمنية للكرسي الرسولي. اشتهر بمعارضته لقرارات مجمع القسطنطينية الدخيل، مما أغضب الإمبراطور الذي أرسل مبعوثاً عسكرياً إلى روما لاعتقاله وإحضاره إلى القسطنطينية، لكن جيش رافينا وسكان روما تمردوا ودافعوا عنه، مما أجبر المبعوثين على الفرار.

يعود إليه الفضل في تعزيز الاحتفال بأربعة أعياد كبرى لمريم العذراء في التقويم الروماني: البشارة (25 آذار)، الرقاد (15 آب)، الميلاد (8 أيلول)، والتقدمة في الهيكل (21 تشرين الثاني). كما أدخل بعض الطقوس الخاصة بتكريس الصليب.

كان معروفاً أيضاً برعايته للفقراء والعطاء بسخاء، بالإضافة إلى اهتمامه بالفن والعمارة، حيث قام بتزيين العديد من الكنائس في روما، منها كنيسة سانت سوزانا.

البابا سيسينيوس (708)

خلف البابا يوحنا السابع، بعد نحو ثلاثة أشهر على وفاته، في 18 كانون الثاني عام 708، وهو من صور.

تشير المصادر التاريخية إلى أنه كان يعاني من داء النقرس الحاد، وكانت أبرز اهتماماته تحصين روما من جديد، بعد أن كادت أسوارها تتخرب نتيجة لهجمات البرابرة المتكررة. إلا أن الموت فاجأه بسرعة، قبل أن ينهي مشروعه المهم، في شهر شباط من السنة نفسها، إذ كان في بداية مسيرته الإصلاحية.

البابا قسطنطين الأول (708 – 715)

خلف البابا سيسينيوس بعد وفاته، وهو أيضاً من مدينة صور وولد في صقلية، وتولى منصبه في شهر آذار من العام 708.

نتيجة لأصله ونشأته، كان يتقن اللغة اليونانية إتقاناً تاماً، مما ساعده في مهمته الدبلوماسية الكبرى لاحقاً.

أكمل ما بدأ به البابا سيسينيوس من إصلاح وبناء أسوار روما. لكن الحدث الأبرز في فترة ولايته كان الزيارة التاريخية إلى القسطنطينية، بعد أن عاد الإمبراطور جستنيان الثاني إلى العرش بعد فترة من المنفى.

في ذلك الوقت، كان الخلاف حول مجمع ترولو (692) لا يزال قائماً، فأراد الإمبراطور جستنيان الثاني من زيارة البابا قسطنطين إلى القسطنطينية مناقشة المسألة وجهاً لوجه.

بعد مفاوضات استمرت عدة أشهر، تمت المصالحة بين الجانبين، حيث كان الأهم تنازل الإمبراطور عن المطالبة بقرارات مجمع ترولو المثيرة للجدل. لكن بعد عودته بفترة وجيزة، تمت الإطاحة بجستنيان الثاني وإعدامه، مما جعل الاتفاقية التي تم التوصل إليها بينهما بلا معنى عملياً، لكن الرحلة أثبتت مبدأ استقلالية البابوية.

بالتزامن، حاول ملك اللومبارديين أريبرت الثاني، خلال غياب البابا في الشرق، الاستيلاء على بعض أملاك الكنيسة، لكن بعد عودته، نجح البابا في التفاوض مع الملك المذكور واستعادة هذه الممتلكات.

البابا القديس غريغوريوس الثالث (731 – 741)

خلف البابا القديس غريغوريوس الثاني، وهو أيضاً من أصول فينيقية. ومثل سلفه، كان يتقن اللغة اليونانية بطلاقة.

تمحورت فترة ولايته بالكامل حول الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية، حيث حاول تحطيم الأيقونات وبناء تحالفات جديدة. واصل، كما البابا القديس غريغوريوس الثاني، معارضة مرسوم الإمبراطور ليو الثالث (الإيساوري) الذي حظر تبجيل الأيقونات.

بعد وقت قصير من انتخابه، عقد مجمعاً في كنيسة مار بطرس بالفاتيكان حضره 193 أسقفاً، أخذوا موقفاً مناقضاً لموقف الإمبراطور البيزنطي لاوون الثالث. من أهم قرارات المجمع أن من يشوه صورة المسيح أو صورة أمه العذراء مريم أو صور الرسل والقديسين يمنع من شركة الكنيسة ومن الأسرار المقدسة كافة.

بينما رد الإمبراطور لاوون الثالث بمصادرة الأملاك البابوية في جنوب إيطاليا وصقلية، والتي كانت تمول الأنشطة الخيرية والإدارية في روما. كما سحب السلطة الكنسية على مقاطعات إيليريكوم (البلقان) وغرب اليونان من البابا، ونقلها إلى بطريرك القسطنطينية.

ولما كان مندوب البابا متجهاً إلى القسطنطينية لتسليم الإمبراطور قرار المجمع اعتقله الجيش البيزنطي وسجنه، كما تم اعتقال بعض موفدي البابا إلى المدن الإيطالية وهم مكلفون بنشر قرارات المجمع.

نتيجة لذلك، التجأ البابا إلى ملك فرنسا شارل مارتيل واضعاً ممتلكاته البابوية تحت حماية الفرنسيين، داعياً إياهم إلى استرداد إيطاليا. وفي أيامه حج ملك الساكسون إلى روما، وبعد عودته إلى بلاده أسس رسماً سنوياً سمّاه “دينار مار بطرس”.

كما قام البابا بتزيين العديد من الكنائس في روما بالأيقونات والفسيفساء، كرد فعل عملي على سياسة التحطيم في الشرق. وأسس ديراً مخصصاً للرهبان الناطقين باليونانية والسريانية، مما وفر ملاذاً للرهبان الفارين من الاضطهاد في الأراضي البيزنطية.

وفي العام 731، خصص البابا غريغوريوس الثالث، في كنيسة مار بطرس، مكانا لتكريم جميع القديسين.

مشاركة المقال: