شبكة أخبار سوريا والعالم/ تزامن تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان مع تصاعد الصراع في سوريا منذ مارس 2011، وبلغ ذروته بين عامي 2012 و 2014، حيث نزح خلال هذه الفترة أكثر من مليون سوري. وارتفع العدد لاحقًا إلى حوالي مليون ونصف لاجئ، وفقًا لتقديرات الحكومة اللبنانية، وهو ما يمثل ربع سكان لبنان. وقد أدى ذلك إلى ضغوط هائلة، خاصة مع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها لبنان منذ عقود.
مع سقوط النظام السابق قبل عام تقريبًا، تجددت الآمال في إيجاد حلول للأزمة، وتعززت هذه الآمال بعد تصريحات الرئيس السوري الجديد عن توقعاته بعودة معظم المواطنين الموجودين في الخارج خلال العامين المقبلين. ولكن في الذكرى الأولى لهذه التوقعات، تشير المؤشرات إلى تعقيدات جديدة، واتخاذ الأزمة طابعًا مختلفًا عما كانت عليه قبل سقوط نظام الأسد. ففي أعقاب تجدد العنف في الساحل والسويداء في شهري مارس ويوليو، شهدت الأراضي اللبنانية موجات نزوح جديدة. وقدّرت غرفة «إدارة الكوارث والأزمات» في محافظة عكار عدد اللاجئين الجدد بـ «يقارب 13 ألف لاجئ»، وهو رقم قد يكون أقل من الواقع نظرًا لحركة العبور عبر المعابر غير الشرعية، والتي أشار إليها تقرير لـ «الديار» في أغسطس 2019، بوجود «أكثر من 150 معبرًا غير شرعي»، ولكل منها اختصاصها.
يتركز معظم اللاجئين السوريين في شمال لبنان (منطقة عكار) ووادي البقاع، وهما أفقر منطقتين في لبنان، مما يزيد من تعقيد الأزمة. بعد وصول الحكم الجديد في دمشق، انقسم اللاجئون بين من اختار البقاء بسبب غياب الأمن والاستقرار، وبين من اختار العودة في ظل الظروف المعيشية الصعبة في لبنان. لكن الغالبية فضلت البقاء، حيث تشير تقارير المنظمات الحقوقية إلى أن «عدد العائدين حتى شهر تشرين أول الفائت هو 335 ألف لاجئ سوري من لبنان»، أي حوالي 22% من إجمالي عدد اللاجئين، على الرغم من إطلاق الحكومة اللبنانية لبرنامج «العودة الطوعية» في شهر تموز الفائت، بالتعاون مع «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة و«المنظمة الدولية للهجرة IOM»، حيث لم يستفد من البرنامج سوى حوالي 32 ألف لاجئ، وهو رقم ضمن العدد الإجمالي للعائدين.
يذكر (أ. غ)، وهو محام ولاجئ سوري، أن صعوبات اللاجئين السوريين في لبنان لا تحصى، فبالإضافة إلى الصعوبات المعيشية، «يبقى الحصول على أوراق نظامية للإقامة مهمة شبه مستحيلة، فالإقامات تمنح فقط لقطاعات محدودة مثل البناء والخدمات»، وتتطلب «وجود كفيل لبناني». ويضيف (م. ش)، وهو لاجئ سوري أيضًا، أن «الكثير ممن يعرفهم كانوا قد أجبروا على مغادرة الأراضي اللبنانية تحت الضغوط الأمنية، التي تشمل المداهمات والإعتقالات، بل والترحيل القسري في بعض الحالات»، وهو ما تؤكده تقارير المنظمات الحقوقية. فقد ذكر مركز «وصول» لحقوق الإنسان، في بيان مشترك مع مركز «سيدر» للدراسات القانونية في 2 تشرين أول الفائت، أن بعض العائدين قد «أجبروا فعليا على العودة تحت الضغط»، وأقر البيان بحدوث «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ارتكبت بحق لاجئين خلال عمليات العودة، وشملت احتجازا تعسفيا، وتعذيبا، واختفاء قسريا». وقد صدر البيان قبل أكثر من شهر من انطلاق الدفعة التاسعة من اللاجئين السوريين العائدين ضمن برنامج «العودة الطوعية» في منتصف شهر تشرين الثاني المنصرم، والتي ذكرت تقارير أن «الإنتهاكات التي شهدتها كانت الأشد من بين الدفعات السابقة»، مما يعيق عمل البرنامج ويقلل من فرص نجاحه.
أشارت «مفوضية شؤون اللاجئين» في لبنان، في تقرير حديث، إلى أن «الأمم المتحدة تسعى في خطتها إلى إعادة ما بين 200 – 400 ألف لاجئ سوري حتى نهاية هذا العام»، على الرغم من الظروف غير الآمنة في سوريا، حيث تشهد البلاد أعمال عنف طائفي وغارات إسرائيلية متكررة، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي. ولذا فإن معالجة الأزمة تتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية، وهو ما لا يبدو جديًا. فبرامج «العودة الطوعية» التي تدعمها الأمم المتحدة لا تنفي «المخاطر الأمنية» المتولدة عن العودة، وصعوبة «توفير حياة كريمة ومستقرة» للعائدين. وبالتالي، فإن الحلول المقترحة لا تزال جزئية ولا تأخذ في الاعتبار كل الجوانب. ويبدو أن تعامل الأطراف الإقليمية والدولية مع الملف لا يزال يهدف إلى استخدامه كورقة ضغط لإنجاز ملفات أخرى: سورية ولبنانية على حد سواء.