الأربعاء, 8 أكتوبر 2025 06:21 PM

بين دمشق وقسد: تصعيدات متبادلة تليها فترة هدوء حذر في ظل صراع مستمر على السلطة والنفوذ

بين دمشق وقسد: تصعيدات متبادلة تليها فترة هدوء حذر في ظل صراع مستمر على السلطة والنفوذ

لم يكن التصعيد الأخير بين دمشق و"قسد" مجرد تبادل لإطلاق النار، بل كشف عن جوهر الأزمة المستمرة: ترتيبات هشة تترنح على حافة الانهيار، وهدنة تخضع للاختبار اليومي، وصراع على الاندماج بين دولة متمسكة بموقفها وتجربة حكم ذاتي تسعى للحفاظ على استقلالها. وقد أظهر وقف إطلاق النار الهش الذي أعقب الاشتباكات، والزيارة الأميركية الرفيعة التي تزامنت معه، أن أي خلل بسيط في تفاصيل الإدارة والشراكة والنفوذ قد يؤدي إلى تفجير الوضع برمته.

لم يأتِ ذلك من فراغ. فقبل أيام من التصعيد، ظهر مؤشر سياسي تمثل في تداول خبر امتناع وزير الخارجية أسعد الشيباني عن استقبال إلهام أحمد في دمشق، قبل أن يصدر نفي لاحق يشير إلى أن الموعد لم يكن مقرراً أصلاً. مجرد انتشار الخبر ثم نفيه بهذه الطريقة يعكس هشاشة الثقة، ويوحي بأن القنوات السياسية أصبحت جزءاً من لعبة الرسائل المتبادلة ومؤشراً على تصعيد محتمل، بالتزامن مع حملات إعلامية متبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار الطرفين.

بالتوازي مع ذلك، تراكمت إشارات ميدانية على مدى أسبوعين تقريباً: تعزيزات كبيرة للقوات التركية في مطار كويرس أثارت الشكوك والمخاوف، وقرارات التجنيد الإجباري التي استُغلت لاتهام "قسد" بشن حملة اعتقالات تعسفية، مما زاد التوتر في مناطق الإدارة الذاتية، ثم استهداف طائرة مسيرة لسيارة عسكرية تابعة لـ"قسد" بالقرب من دير حافر، مما أسفر عن إصابات. بدت هذه الأحداث كمقدمات لتصعيد محسوب، وهو ما حدث بالفعل مع التصعيد في دير حافر بداية، ثم إغلاق مداخل الشيخ مقصود والأشرفية واندلاع اشتباكات محدودة انتهت بالاتفاق على وقف إطلاق النار دون نشر تفاصيل الاتفاق وشروطه.

وسط هذه الأحداث، بقي المدنيون الحلقة الأضعف، حيث يضطرون في كل مرة إلى تحمل تبعات الحصار وانقطاع الطرق والخدمات.

في هذا المناخ، أضاف الحضور الأميركي المزيد من الغموض. تحدث المبعوث توم براك عن "زخم كبير" و"فرصة لوحدة السوريين"، وأكد مظلوم عبدي "العمل من أجل مستقبل سلمي ومزدهر". غير أن هذه التصريحات المطمئنة لم تجب عن السؤال الجوهري: أي وحدة؟ وتحت أي سقف؟ وما زاد من الغموض أن براك لم يعتد تجاوز العاصمة السورية في تحركاته، لذلك جاءت زيارته للشرق محملة برسائل متناقضة بين الإنذار والدعم. وفي هذا السياق، جاء تثبيت وقف إطلاق النار كإطار اختبار يومي لا نهاية للصراع. ومن المرجح أن تكون الأشهر الثلاثة المتبقية حتى نهاية العام، حيث وعد باراك بتشكيل حكومة مركزية تمثل الجميع، من أخطر مراحل المرحلة الانتقالية، إذ تختلط فيها مخاوف التصعيد بآمال التهدئة.

من خلف هذا الهدوء الهش، ستعيد دمشق تعريف الاندماج بصيغة أكثر مركزية، بينما تبحث "قسد" عن إدماج لا يؤدي إلى الذوبان – فتتحول الجغرافيا إلى مساحات تقاس بالمتر لا بالخرائط العامة.

ومع ذلك، لا تحدد دمشق و"قسد" الإطار وحدهما؛ فاستمراره أو انهياره رهن بحسابات إقليمية ودولية: تمزج تركيا بين الضغط المباشر والإنابة بما يبقي "قسد" في موقع دفاعي ويقيد هامشها، وتبقي الولايات المتحدة خطوطاً حمراء عامة وتفسح مجالاً لمعادلات ميدانية مؤقتة، فيما تبقي روسيا، التي تزايد حضورها في الملف السوري أخيراً، قنواتها مفتوحة ضمن تصور أوسع لم تتضح ملامحه بعد، خصوصاً بعد تفاهم نتنياهو وبوتين على ضرورة استقرار سوريا.

في المدى القريب، لا يلوح حل شامل، بل إدارة مؤقتة للأزمة عبر خطوات صغيرة: فتحات إضافية للطرق، وتهدئة بؤر الاحتكاك في حلب وحول سد تشرين، وضبط متفق عليه للانتشار، في مقابل تعزيز دمشق إشرافها على المرافق الخدمية والمالية دون الإطاحة بما بقي من إدارة محلية. لكن هذا التوازن قابل للانهيار إذا تباطأت الوساطات أو رأت الأطراف أن رفع منسوب الضغط يمنحها مكاسب أكبر على طاولة التفاوض.

في المحصلة، ما يجري ليس تسوية بل إدارة للأزمة: تصعيدات قصيرة لتحصيل مكاسب، وهدنات تدار بالتفاصيل؛ فيما تبقى عقدة القيادة والسيطرة، ونطاق الإدارة، وتقاسم الموارد هي ما يؤجل أي استقرار حقيقي.

مشاركة المقال: