الأحد, 21 سبتمبر 2025 09:14 PM

تحديثات ضخمة في مصفاة بانياس: خطوة استراتيجية نحو تعزيز إنتاج النفط والاكتفاء الذاتي

تحديثات ضخمة في مصفاة بانياس: خطوة استراتيجية نحو تعزيز إنتاج النفط والاكتفاء الذاتي

عنب بلدي – لمى دياب – بدأت مصفاة "بانياس" التابعة لوزارة الطاقة السورية بتنفيذ مشروع تحديث واسع النطاق يهدف إلى تحسين الإنتاج والأداء. وقد تسلمت المصفاة معدات حديثة لاستبدال أجزاء ومكونات مفاعلاتها، في مشروع وصفته الوزارة بأنه "استراتيجي" و"أضخم مشاريع التحديث في الشركة منذ تأسيسها".

تأسست مصفاة "بانياس" عام 1975، وتقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، شمالي مدينة بانياس في ريف محافظة طرطوس. وتعتبر المصفاة من أبرز منشآت تكرير النفط في سوريا، وثاني أكبر مصفاة بعد مصفاة "حمص". وتتولى تكرير النفط الخام وتوفير المشتقات النفطية الأساسية للسوق المحلية.

وخلال سنوات الثورة السورية، واجهت المصفاة تحديات تقنية وبنيوية أثرت على أدائها، خاصة مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والتي تسببت في صعوبة تأمين قطع الغيار والصيانة اللازمة. وبالرغم من ذلك، استمرت المصفاة في العمل لتأمين احتياجات السوق.

100 ألف برميل يوميًا

أكد مصدر مسؤول في وزارة الطاقة السورية، تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، أن مصفاة "بانياس" تواصل دورها الحيوي في توفير إمدادات المشتقات النفطية للمواطنين والصناعة في سوريا، حيث يصل إجمالي إنتاج المصفاة إلى حوالي 100 ألف برميل يوميًا، مما يساهم في تغطية احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية المختلفة.

وأوضح المصدر أن الهدف الرئيسي من الصيانة الجارية حاليًا في مصفاة "بانياس" هو ضمان استمرارية العمل بكفاءة عالية وفعالية، وليس زيادة الإنتاج كما يشاع. وتجري أعمال الصيانة الدورية في موعدها، في إطار جهود الوزارة المستمرة للحفاظ على كفاءة عمل المصفاة، علمًا أن المعدات والمرجل المستخدم في عمليات تكرير النفط واستخلاص المشتقات النفطية قديم وتم تركيبه في المصفاة منذ عام 1980.

رفع الجودة بعد تحديث وحدة التحسين

أشار المصدر في وزارة الطاقة السورية إلى أن المصفاة ستشهد في آب 2026 تنفيذ مشروع تقني متقدم يهدف إلى استبدال المفاعل المخصص لوحدة تحسين جودة البنزين المنتج بعد إجراء "عمرة شاملة" للمصفاة وجمع "وشائع الأفران" مع كل المكونات في جسم واحد متكامل.

وخلال "العمرة الشاملة" وتركيب مفاعل البنزين، ستتوقف المصفاة بشكل كامل عن العمل لمدة محددة، تقدر بالنسبة لـ"العمرة" بنحو شهر، وقد تطول حسب كثافة الأعمال، ولكن ذلك سيسهم في زيادة الإنتاج ورفع كفاءة الأداء وتحسين موثوقية التشغيل، وفقًا للمصدر.

وأكد أن جميع الأعمال المتعلقة بالصيانة تتم وفق الخطط المرسومة مسبقًا، لضمان سير العمل دون التأثير على توفير المنتجات النفطية الضرورية في الأسواق، مشيرًا إلى أن "الوزارة ستواصل بذل الجهود لتطوير القطاع النفطي، بما يسهم في تعزيز استقلالية الطاقة وتقليص الاعتماد على الاستيراد".

التأهيل يعزز الناتج المحلي

يشكل تأهيل مصفاة "بانياس" إحدى الركائز الأساسية لتعزيز الأمن الطاقي وتقليل فاتورة الاستيراد الباهظة، في وقت تواجه فيه سوريا تحديات في توفير الاحتياجات الأساسية من المشتقات النفطية.

أوضح الباحث الاقتصادي ومدير عام "مجموعة الجودة للدراسات"، ماجد شرف، في حديث إلى عنب بلدي، أن تأثير تأهيل مصفاة "بانياس" على الناتج المحلي الإجمالي السوري مهم جدًا، لأن قطاع النفط كان قبل سنوات الثورة السورية يشكل حوالي 24% من الناتج المحلي الإجمالي السوري، ونحو 25% من موارد الموازنة العامة للدولة.

وأضاف أن تشغيل مصفاة "بانياس" التي يتراوح حجم إنتاجها بين 90 و110 آلاف برميل يوميًا سيؤدي إلى ضخ مئات الملايين من الدولارات سنويًا في الاقتصاد السوري، ما يدعم الناتج المحلي الإجمالي ويعزز إيرادات الدولة. كما سيخفض اعتماد الدولة على استيراد مشتقات النفط باهظة الثمن، ما يوفر عملة صعبة ويقلل العجز في الميزانية العامة، ويزيد الإنتاج المحلي من المشتقات النفطية التي تستخدم في توليد الكهرباء والتدفئة والنقل، وهو ما سيؤدي إلى تحسين النشاط الاقتصادي العام إضافة إلى تحسين في مصادر الطاقة والبنية التحتية.

كما أنه سيعيد القدرة على التكرير محليًا ويحقق وفورات مالية ويعزز الأمن الطاقي، ويضمن استمرارية وسلامة عمليات التكرير، وذلك عن طريق تنفيذ صيانة شاملة واستبدال مفاعلات تحسين البنزين التي تجاوزت عمرها التشغيلي، ما يزيد من الطاقة التشغيلية للمصفاة وقدرتها الإنتاجية. وبالتالي تعد هذه خطوة استراتيجية لتأمين احتياجات الطاقة الوطنية وتحسين الوضع الاقتصادي في سوريا، مع تعزيز القدرة على مواجهة التحديات التقنية والاقتصادية المحتملة مستقبلًا.

الانعكاس على الموازنة العامة

بين الباحث الاقتصادي ومدير عام "مجموعة الجودة للدراسات"، ماجد شرف، أن تأهيل المصفاة سيؤثر على الموازنة العامة السورية بما يلي:

  • زيادة الإيرادات من بيع مشتقات النفط المكررة محليًا.
  • تقليل النفقات الحكومية على استيراد المشتقات النفطية (المكررة) بالدولار واليورو.
  • دعم النمو الاقتصادي عبر تعزيز قطاع الطاقة.
  • تحسين معيشة المواطنين بفضل استقرار إمدادات الطاقة وانخفاض تكاليفها في حال وجود مصادر محلية للنفط.

وستؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى تقليل عجز الموازنة، ودعم الاقتصاد السوري عبر تشغيل المصفاة بكامل طاقتها بعد تأهيلها.

وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن تأهيل المصفاة سيسهم في تعزيز أمن الطاقة وتقليل فاتورة الاستيراد للطاقة بعدة طرق رئيسة:

  • تأهيل المصفاة يسمح بإنتاج كميات أكبر من المشتقات النفطية محليًا، مثل البنزين والمازوت والغاز المنزلي، مما يقلل الاعتماد على الاستيراد الخارجي ويخفض التكاليف المرتبطة به.
  • موقع المصفاة الاستراتيجي في بانياس قرب مرفأ النفط البحري يسهل استيراد النفط الخام وعمليات التكرير والتصدير، مما يسهم في تقليل عقبات النقل والتكاليف الإضافية، ويُعزز من كفاءة سلسلة التوريد للطاقة.
  • استعادة وتأهيل حقول النفط المرتبطة بالمصفاة، إضافة إلى خطوط الأنابيب مثل خط كركوك- بانياس النفطي العراقي، تؤدي إلى الحصول على النفط الخام بأسعار أقل مباشرة عبر الحدود، مما يسهم في خفض فاتورة استيراد الطاقة بشكل ملحوظ.
  • إنتاج النفط محليًا بأسعار أقل مقارنة بالاستيراد العالمي يعني توفيرًا كبيرًا في تكلفة توليد الكهرباء، ما يؤدي إلى خفض تعرفة الكهرباء على المستهلكين ويعزز من استقرار شبكة الطاقة.
  • تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية للطاقة يعزز الأمن الوطني بتقليل المخاطر المرتبطة بالعقوبات أو التوترات السياسية التي قد تعطل توريد الوقود من الخارج.

أي أن تأهيل وتشغيل مصفاة النفط سيدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا بشكل ملحوظ.

تحديات تواجه الاستثمار

حول مستقبل الاستثمار في مصفاة نفط تقليدية في ظل التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة، بين شرف أن التحديات تختلف بحسب الاستراتيجية المتبعة، ويمكن تلخيصها بـ:

بداية، الانخفاض التدريجي في الطلب على الوقود الأحفوري التقليدي، خاصة البنزين مع توسع انتشار السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، مما يقلل من أرباح المصافي التقليدية. وللتكيف مع هذا الواقع، تتجه المصافي الحديثة إلى تبني نموذج "التكرير المرن" الذي يوسع نطاق المنتجات إلى المشتقات البتروكيماوية، ووقود الطائرات منخفض الكربون، ووقود الديزل الحيوي، مما يساعد على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري فقط.

كما يجب الابتكار في خفض الانبعاثات مثل استخدام الهيدروجين في عمليات التكرير وتطبيق تقنيات التقاط الكربون مع توليد الطاقة من مصادر متجددة ضمن المصفاة، إذ أصبحت هذه من المتطلبات الأساسية لضمان استدامة العمليات وزيادة تنافسية المصافي في الأسواق العالمية.

وبالرغم من هذا التحول العالمي، سيظل للنفط الخام والمنتجات النفطية دور مهم في قطاعات النقل، والطيران، والصناعات الكيماوية، مما يعطي فرصة لاستثمار المصفاة التقليدية إذا تم تحديثها لتواكب التغيرات وتحسين كفاءتها البيئية والتكنولوجية.

ويقترح شرف اتباع سياسة مستقبلية ناجحة تلزم الدمج بين التكرير التقليدي والاكتفاء الذاتي الطاقي والتحول التدريجي للطاقة النظيفة، ليصبح الاستثمار في المصفاة جزءًا من منظومة طاقية متكاملة تحميها من تقلبات سوق الوقود الأحفوري. بناء عليه، فإن مستقبل الاستثمار في مصفاة "بانياس" التقليدية على المدى المتوسط والطويل يعتمد على قدرة المصفاة على التكيف مع التحولات العالمية من خلال التحديث التقني، وتنويع المنتجات، والاهتمام بالبيئة، مع الحفاظ على دورها الاستراتيجي في تلبية الطلب المحلي والإقليمي على المنتجات النفطية الحيوية.

مدة تأهيل المصفاة

تنفيذ مشروع استبدال المفاعلات في المصفاة سيتم من قبل شركة "أميداس" بالتعاون مع شركة "LS LANZHUO" الصينية، ومشروع استبدال وشائع الأفران ومولّد البخار من قبل شركة "فيكتوريا" بالتعاون مع شركة "TOPCIN" الصينية أيضًا، بحسب ما قاله مدير عام شركة مصفاة "بانياس"، إبراهيم مسلم، لعنب بلدي.

ويتمثل المشروع باستبدال أجسام المفاعلات الأربعة (R1, R2, R3, R4) في وحدة التحسين، إضافة إلى استبدال المكونات الداخلية للمفاعلين الأول والثاني، بعد أن تجاوزت المفاعلات عمرها التشغيلي الافتراضي.

وتعد مفاعلات وحدة التحسين القلب التشغيلي لإنتاج مادة البنزين الممتاز "عالي الأوكتان من النفتا"، وهو الوقود الأساسي لمعظم السيارات، إذ يتيح المشروع استمرار إنتاج هذه المادة الحيوية بكفاءة وجودة أعلى.

وتوقع مدير عام شركة المصفاة أن تستمر الأعمال حوالي ثلاثة أشهر ونصف بداية من شهر آب 2026.

مشاركة المقال: